:أخبار وآراءمقالات

معًا لحماية البيئة

معًا لحماية البيئة

لقد أولت الشريعة الإسلامية بأصولها وفروعها وقواعدها الفقهية ومقاصدها الشرعية وبتوجيهات نصوص الكتاب والسنة حماية البيئة ورعايتها والمحافظة عليها عناية خاصة، من منطلق أن كل ما يحقق مصالح البلاد والعباد هو من صميم مقاصد الأديان، فحيث تكون المصلحة المعتبرة فثمة شرع الله (عز وجل) .

ولا شك أن الحرص على النظافة وجعلها سلوكًا إنسانيًّا عامًّا أحد أهم محاور الحفاظ على البيئة؛ كونها أولى خطوات التطبيق العملي الذي يبدأ الإنسان فيه بنفسه، ثم ينطلق من الخاص إلى العام، بما يسهم في تحقيق الخير للفرد والمجتمع والإنسانية جمعاء.

فديننا دين الحضارة والأناقة والجمال، ولا شك أن النظافة أحد أهم عناوين الحضارة، فكل القيم الدينية والحضارية والإنسانية تدعو إلى الأناقة والجمال، والبعد عن كل ما يؤذي وينفر ولا يُقِرُه الذوق ولا الطبع السليم، أو يسبب الأذى للإنسان أو الكون، فقد امتدح الحق سبحانه وتعالى أهل مسجد قباء لحرصهم على الطهارة والنظافة، فقال (عز وجل) : “فِيهِ رِجَال يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ واللَّهُ يُحِبُّ المُطَّهِّرِينَ”، وأمرنا جل وعلا أن نأخذ زينتنا عند كل مسجد، فقال: “يَا بَنِي ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُم عِندَ كُلِّ مَسجِد”، وأمرنا أن نطهر وننظف أجسادنا وثيابنا، فقال تبارك وتعالى : “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا قُمتُم إِلَى الصَّلَوةِ فَاغسِلُواْ وُجُوهَكُم وَأَيدِيَكُم إِلَى المَرَافِقِ وَامسَحُواْ بِرُءُوسِكُم وَأَرجُلَكُم إِلَى الكَعبَينِ وَإِن كُنتُم جُنُبا فَاطَّهَّرُواْ”، وقال سبحانه مخاطبًا نبيه (صلى الله عليه وسلم): ﴿يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ قُم فَأَنذِر وَرَبَّكَ فَكَبِّر وَثِيَابَكَ فَطَهِّر”.

وقد بيّن رسولنا محمد (صلى الله عليه وسلم) أن الطهور نصف الإيمان، أي نصف الدين، فقال (صلى الله عليه وسلم) : “الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ”، بل إن الإسلام قد جعل الطهارة والنظافة الكاملة للجسد والثوب والمكان شرطًا لقبول أهم عبادة في حياة المسلم والركن العملي الأول في الإسلام بعد الشهادتين، وهو الصلاة، فقال (صلى الله عليه وسلم): “لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ وَلَا صَدَقَةٌ مِنْ غُلُولٍ”.

ونهى ديننا الحنيف عن كل ما يلوث الماء، أو المكان، أو يعكر على الناس صفو حياتهم، أو يسبب لهم الأذى، والاشمئزاز، فنهى عن قضاء الحاجة في الماء أو في الظل أو في طريق الناس أو في موارد الماء أو في الأماكن العامة فقال (صلى الله عليه وسلم): “اتقوا اللعانين، قالوا وما اللعانان يا رسول الله؟ قال: الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم”، وقال (صلى الله عليه وسلم): “اتقوا الملاعن الثلاثة: البراز في الموارد وقارعة الطريق والظل”، ويقاس على ذلك كل ما يسبب الأذى للناس في حياتهم، سواء ما يسبب تلوثًا سمعيا أو بصريا، أو غير ذلك كتلويث الماء والهواء، وقد استنكر القرآن الكريم رفع الصوت فوق ما تقتضيه الحاجة، حيث قال سبحانه على لسان سيدنا لقمان عليه السلام : “وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ”، بما يعني أن الإسلام عُني بأمر البيئة عناية كبيرة، وحافظ عليها من كل ألوان التلوث أو الضرر.

مع تأكيدنا أن ما يترتب على مخاطر التعدي على البيئة من ضررٍ إنما هو ضرر متعدٍ لا يقف عند حدود مرتكبيه أو دولهم أو إقليمهم، إنما يتجاوزهم إلى نطاق أوسع ربما يؤثر في الكرة الأرضية كلها وعلى البشرية جمعاء، مما يتطلب منَّا العمل معًا للحفاظ على البيئة وسن القوانين الملزمة الرادعة لكل من تسول له نفسه الاعتداء عليها، سواء على المستويات الوطنية أم الدولية.

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى