الدين فطرة إلهية
الدين فطرة إلهية : ” فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ” (الروم : 30).
و التدين الحقيقي هو ميزان قويم لاعتدال الأخلاق والقيم وبناء الضمير الإنساني وحسن المراقبة لله (عز وجل) في السر والعلن .
وقد قالوا : من الصعب بل ربما كان من المستبعد أو المستحيل أن نجعل أو نخصص لكل إنسان حارسًا يحرسه أو مراقبًا يراقبه ، ولكن من السهل أن نربي في كل إنسان ضميرًا حيا ينبض بالحق ويدفع إليه ، راقبناه أم لم نراقبه ، لأنه يراقب من لا تأخذه سنة ولا نوم ، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى في محكم التنزيل : ” اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ” (البقرة : 255)، ويقول سبحانه : ” وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ “(الأنعام : 59) ، ويقول سبحانه : ” أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ “(المجادلة : 7) .
و عندما يوقن الإنسان علم اليقين أن الدنيا لحظات فما هي إلا ساعات أو دقائق أو ثوان ويعرض الإنسان على رب كريم ، فإما إلى جنة عرضها السموات والأرض ، وإما إلى أسفل سافلين ، حيث يقول الحق سبحانه : ” يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ (107) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ “(هود : 105-108) .
عندما يدرك الإنسان ذلك ، ويعد العدة ليوم التلاق ” يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ” (غافر : 15-16) ، وليوم التناد ، ويوم الحسرة ، ويوم الآزفة ، حيث يقول الحق سبحانه : ” وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ “(غافر : 18)
من عرف هذا وعمل له فلا يمكن أن يكون كذابًا ، ولا جبانًا ، ولا غشاشًا ، ولا منافقًا ، ولا غدارًا ،ولا مخربًا ، ولا خائنًا ، ولا عميلا ، ولا مؤذيًا ، بل حتما سيكون سلمًا للبشر والحجر والشجر ممتثلا لقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” المسلمُ من سلم الناسُ من لسانه ويدهِ، والمؤمنُ من أمنه الناسُ على دمائهم وأموالهم “(رواه الترمذي) .
فغايات الدين عظيمة ونبيلة وفيها صلاح الخلق : صلاح البلاد والعباد ، شريطة أن يكون الدين خالصا لله عز وجل ، بعيدا عن سوء فهم المتحجرين وضلالات المتاجرين بالدِّين .