:أهم الأخبارمقالات

مراتب الصيام

    يقول الحق سبحانه : “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” (البقرة : 183) ، ويقول سبحانه : “شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ” (البقرة : 185) ، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : “بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ” .

   على أن مراتب الصيام ليست على درجة واحدة ، فأولها صوم العوام وهو الإمساك عن الطعام والشراب وشهوة الفرج من أذان الفجر إلى أذان المغرب ، ومن أدى ذلك فقد أدى الفريضة التي عليه .

    أما المرتبة الثانية فهي مرتبة الخواص وهي إمساك الجوارح عن المعاصي : إمساك العين عن النظر إلى ما حرم الله ، وإمساك الأذن عن سماع ما يغضب الله ، وإمساك اللسان عن الغيبة والنميمة ، وهكذا في سائر الجوارح ، ذلك أنَّ امرأتينِ صامتَا على عهْدِ رسولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ) ، فجلسَتْ إحداهما إلى الأُخرى، فجعَلَتا تأْكُلانِ لُحومَ النَّاسِ، فجاء رجُلٌ إلى رسولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ) ، فقال: يا رسولَ اللهِ، إنَّ هاهنا امرأتينِ صامَتَا، وقد كادَتا أنْ تموتَا مِن العطشِ، فأعرَضَ عنه رسولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ) -أو سكَتَ-، ثمَّ جاءه بعدَ ذلك -أحسَبُه قال: في الظَّهيرةِ- فقال: يا رسولَ اللهِ، إنَّهما واللهِ لقد ماتَتا، أو كادَتا أنْ تموتَا، فقال رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ائتُوني بهما، فجاءتا، فدعا بعُسٍّ، أو قدَحٍ، فقال لإحداهما قِي ، فقاءت مِن قَيحٍ ودَمٍ وصديدٍ، حتَّى قاءت نِصفَ القدَحِ ، وقال للأُخرى : قِي ، فقاءت مِن قَيحٍ ودَمٍ وصَديدٍ، حتَّى ملأتِ القدَحَ. ثمَّ قال رسولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ) : إنَّ هاتينِ صامتَا عمَّا أحَلَّ اللهُ لهما، وأفطَرَتا على ما حرَّمَ اللهُ عليهما؛ جلسَتْ إحداهما إلى الأُخرى، فجعَلَتا تأكُلانِ لُحومَ النَّاسِ (مسند أحمد) .

   ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : “من لم يدَعْ قولَ الزُّورِ والعملَ بِهِ ، فليسَ للَّهِ حاجةٌ بأن يدَعَ طعامَهُ وشرابَهُ” (صحيح البخاري) ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : “رُبَّ صائمٍ حظُّهُ مِن صيامِهِ الجوعُ والعطَشُ، وربَّ قائمٍ حظُّهُ من قيامِهِ السَّهرُ” (صحيح ابن ماجه) .

   وأما المرتبة الثالثة فهو صوم خواص الخواص ، وهي التي تقوم على كف الجوارح والقلب والاجتهاد في الطاعة ، كما عبر عنها الإمام أبو حامد الغزالي في إحيائه حين قال : هي كف القلب عن الهمم الدنية والشواغل الدنيوية والإقبال على الله (عز وجل) بالكلية ، فهي تقوم على إخلاص النية وحسن القصد والاجتهاد في الطاعة ، وهي التي تسمو بصاحبها إلى درجة تحقق التقوى التي هي الخوف من الجليل ، والعمل بالتنزيل ، والرضا بالقليل ، والاستعداد ليوم الرحيل ، وأن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك .

   وقد عرف الصالحون لهذا الشهر مكانته ، فكان بعضهم يسأل الله (عز وجل) ستة أشهر أن يبلغه رمضان ، وخمسة أشهر بعده أن يتقبله منه ، لأن من لم يغتنم شهر المغفرة فمتى يغتنم الخير ، فعند قدوم رمضان “يُنَادِي مُنَادٍ يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ”.

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى