:أخبار وآراءأهم الأخبارمقالات

الثقــافة الرصينــة

أ.د/ محمد مختار جمعة
وزير الأوقاف

  الثقافة ليست أمرًا هامشيًّا أو ثانويًّا في حياة الأمم والشعوب ، إنما هي مكون رئيس في حياتها ، وهي أحد أهم عوامل مواجهة التحديات وفك شفراتها ، والتعامل بمنهجية معها ، بل إن كثيرًا من المشكلات التي تعاني منها كثير من المجتمعات ترجع في بعض جوانبها إلى ضيق الأفق الثقافي ، أو ضعفه ، أو انغلاقه ، أو حتى انسداد شرايينه، فالثقافة قضية حياة .

  والثقافة التي ننشدها هي الثقافة التي تبني ولا تهدم ، وتعمر ولا تخرب ، لا ثقافة تلك الجماعات المتطرفة التي تتبنى مناهج الهدم والتخريب ، لا تألو على دين ، ولا وطن ، ولا قيم ، ولا خلق ، ولا ضمير إنساني حي .

  الثقافة التي نبحث عنها ونعض عليها بالنواجذ هي ثقافة النور في مواجهة ثقافة الظلام ، ولا شك أن انطلاق صالون الأهرام الثقافي الأول بالشراكة مع وزارة الأوقاف  فاتحة خير ، ونقطة تحول وانطلاقة هامة في واقعنا الثقافي الراهن ، ونؤمل أن يكون مع الوقت ما يتبعه من الصالونات الفكرية والثقافية والعلمية علامة مضيئة في تاريخنا الثقافي المعاصر .

  لقد أدت المجالس العلمية والأدبية والنقدية في العصرين الأموي والعباسي دورًا بارزًا في النهضة العلمية والثقافية ، وكانت مجالس عبد الملك بن مروان علامة بارزة في العصر الأموي ، ومجالس المأمون علامة بارزة في العصر العباسي ، إضافة إلى مجالس الفقهاء والأدباء والنقاد والوجهاء والأعيان ، وكانت هناك مجالس النساء جنبًا إلى جنب مع مجالس الرجال ، كمجلس السيدة سكينة بنت الحسين (رضي الله عنهما) الذي كان منارة ثقافية في العصر الأموي ، كما كانت مجالس العقاد ، وطه حسين ، ومي زيادة ، وغيرهم منارات إشعاع في العصر الحديث ، مما يجعلنا نؤمل كثيرًا في انطلاق صالونات المؤسسات الإعلامية والثقافية الكبرى .

  وقد انعقد صالون الأهرام الثقافي الأول بالتعاون مع وزارة الأوقاف المصرية بحضور نخبة متميزة من القامات الثقافية والإعلامية وحضور واسع لجمع من المثقفين والمعنيين بالشأن الديني ، وتناول موضوع الشأن الديني العام كامتداد للجلسة التحضيرية الرابعة لمؤتمر الحديث في الشأن العام وعلاقته بالأمن القومي .

  وكلتا الجلستين آتت أكلها ، وأينعت مبكرًا ثمارها ، فأحدثت كل منهما حراكًا فكريًا ومناقشات جادة ، فقد أكدنا أن الحديث في الشأن العام قضية أمن قومي ، وأن الشأن العام يشمل كل ما يتجاوز القضايا الخاصة بالفرد إلى القضايا العامة للمجتمع أو شريحة منه ، بما ينعكس أثره على المجتمع أو فئة واسعة من أبنائه ، وأن قضايا الشأن العام تتسع للشأن العام الديني ، والشأن العام السياسي ، والشأن العام الاقتصادي ، والشأن العام الاجتماعي ، والشأن العام الثقافي ، والشأن العام الرياضي .

  وجاء اللقاء الثاني حول الشأن العام الديني من باب ذكر الخاص بعد العام لأهمية وخصوصية هذا الأمر ، فخطاب ديني وسطي سمح رشيد منضبط يسهم وبقوة في قضايا البناء والتعمير وتحقيق الأمن المجتمعي والأمن النفسي ، كما يسهم في تحسين مناخ العلاقات الإنسانية في المجتمع , وتحقيق وسائل الاندماج وقبول الآخر وفقه العيش المشترك بين أبنائه ، في حين أن اختطاف جماعات التطرف للخطاب الديني يقود بالطبع إلى الهدم والتخريب والفرقة والشتات وتدمير الأوطان , مما يجعل من مواجهة هذا الفكر والاصطفاف الوطني في مواجهة قوى الإرهاب والشر مطلبا دينيا ووطنيا وإنسانيا في كل مفاصل حياتنا ولا سيما الثقافية والإعلامية منها .

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى