نظرة أمل
الحياة بلا أمل حياة جافة , قاحلة , شاقة , شائكة , عابسة, كالحة , كئيبة , محبطة , فلا حياة مع اليأس , ولا يأس مع الحياة.
الأمل شيء حلو , شيء جميل , شيء عظيم , ترنو إليه النفوس المفعمة بالحياة , المحبة لها, المتفاعلة معها , التي لا تريد أن تركن إلى اليأس أو أن تخلد إليه أو أن تعلق عطبها عليه .
الأمل حياة , واليأس موت , وقد عد كثير من أهل العلم اليأس والتيئيس من الكبائر , فعن ابن عباس (رضى الله عنهما) أن رجلًا قال : يا رسول الله ما الكبائر ؟ قال : (صلى الله عليه وسلم) : “الشرك بالله والإياس من روح الله والقنوط من رحمة الله ، من وقاه الله إياها وعصمه منها ضمنت له الجنة ” , ويقول الحق سبحانه على لسان سيدنا إبراهيم (عليه السلام) : ” قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ” (الحجر : 56) , ويقول سبحانه على لسان سيدنا يعقوب (عليه السلام) : ” يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ” (يوسف : 87) , ويقول سبحانه : ” قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ” (الزمر : 53) .
وما دام الأمر كله بيد من أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون فعلينا أن نتعلق بحبله المتين , والأمل في رحمته وواسع فضله , مستحضرين قوله تعالى : ” مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ” (فاطر : 2) , وقوله سبحانه : ” وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ” (الأعراف : 96) , وقوله سبحانه: ” وَآَيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ * وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ * لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ” (يس : 33-35) , وقوله سبحانه : “وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا” (الطلاق : 2-3) , وقوله سبحانه : “وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا” (الطلاق : 4) , مع تأكيدنا أن الأمل لا يغني عن العمل , فالأمل بلا عمل أمل أعور أو أعرج أو أعشى.
كما نؤكد أن على العاقل أن يحاسب نفسه عن يومه وأسبوعه وشهره وعامه , فما وجد من خير حمد الله واجتهد في طاعته ومرضاته , وما وجد غير ذلك بادر بالتوبة والإنابة , مجددًا العزم على عدم العود إلى ما كان من زلل , فكل شيء صغر أو كبر في كتاب ” لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى” , وهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها , حيث يقول الحق سبحانه : “وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا” (الكهف :49) .