:أهم الأخبارمقالات

خطورة الكلمة

     الكلمة أحد من السيف , وأمضى من السهم , وأنفذ من الرصاص , وأفتك من السم , ولهذا كان تحذير نبينا (صلى الله عليه وسلم) من خطورة الكلمة , حيث يقول (صلى الله عليه وسلم) : “إنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ تَعَالى مَا يُلقِي لهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّه بهَا دَرَجاتٍ، وَإنَّ الْعبْدَ لَيَتَكلَّمُ بالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ تَعالى لا يُلْقي لهَا بَالًا يهِوي بهَا في جَهَنَّم” (صحيح البخاري) ، ويقول الحق سبحانه وتعالى: ” إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ” .

       على أن خطورة الكلمة عن غفلة لا تقل عن خطورة الكلمة عن قصد طالما نزع السهم من القوس , وقد ذكر النقاد كثيرًا من أغاليط الشعراء وعدم توفيقهم في اختيار ألفاظهم , ومن ذلك ما كان من الشاعر الأموي ميمون بن قيس المعروف بالأعشى حين استنشده زياد بن أبيه , فأنشده :

رَحَلَــت سُمَيَّةُ غُدوَةً أَجمالَهــا

غَضبى عَلَيكَ فَما تَقولُ بَدا لَها

       فاستشاط زياد غضبا , ذلك أنه كان يدعى زياد بن سمية قبل أن يصبح أميرًا , وكان لا يحب أن يتذكر ماضيا أليما وهو ما لم يفطن إليه الشاعر .

       ودخل ذو الرمة على عبد الملك بن مروان فأنشده :

مَا بَالُ عَيْنِكَ مِنْهَا الْمَاءُ يَنْسَكِبُ

كَأَنَّهُ مِنَ كُلــــى ً مَفْــرِيَّة ٍ سَــرِبُ

      وكان بعين عبد الملك رمش يطرف , فتدمع عينه , ولم يفطن الشاعر لذلك , ولم يقصد ، غير أنه وافق علة في عين الملك فاستشاط عبد الملك عليه غضبًا .

      ومنه قول أرطأة بن سهية في قصيدة أنشدها عبد الملك بن مروان وكان يكنى بأبي الوليد , فأنشده الشاعر :

رأيـت المـرء تـأكلـه الليـالي

كأكل الأرض ساقطة الحديد

وما تبقى المنية حين تأتــي

على نفس ابن آدم من مزيد

واعلـــم أنهــــا ستكــــر حتـى

توفي نذرهــا بأبـــي الوليــد

      فعرفت الكراهية في وجه عبد الملك بن مروان ، فقال الشاعر عنيت نفسي وكان يكنى بأبي الوليد أيضا , فقال عبد الملك بن مروان  كلانا للمنية بمرصد .

     ومنه قول الشاعر الأموي جرير بن عطية بن الخطى يفخر بقومه وصلته بسليمان بن عبد الملك , يقول :

هذا ابن عَمّي في دِمَشْقَ خَلِيفَة

لــو شئـــتُ ساقكـــمُ إلـــيَّ قطينـا

      فقال سليمان لم يزد ابن المراغة – يعني جريرا – أن جعلني شرطيا أسوقهم له إذا شاء , أما لو قال : لو شاء ساقكم إلي قطينا لسقتهم إليه.

ودخل النابغة الذبياني على النعمان بن المنذر يمدحه فقال :

تراك الأرض إما مت خفاً

وتحيا إن حييت بها ثقيلا

     فقال له النّعْمَانُ: هذا البيت إن لم تَأتِ بعده ببيتٍ يوضِّح معناه، وإلا كان إلى الهجاء أقرب، فتعسَّر على النابغة النظم ، فقال له النعمان: قد أجلّتكَ ثلاثًا، فإنْ قلتَ فلك مائة من الإبل النجائب ، وإلا فضرْبة بالسيف أخذت منك ما أخذت ، فخرج النابغة وهو وَجِل، فلقي زهير بن أبي سلمى فذكر له ذلك ، فقال: اخرج بنا إلى البرية؛ فتبعهما كعب ،  فردَّهُ زهير، فقال له النَّابِغَةُ: دع ابن أخي يخرج معنا وأردفه، فلم يحضرهما شيء؛ فقال كعب للنابغة: يا عم، ما يمنعك أن تقول:

وَذَلِكَ إنْ فَلَلْتَ الغَيَّ عَنْهَـا

فَتَمْنَـعُ جَانِبِيْهَا أنَ تَمِيـلَا

فأعجب النابغة وقال : قد جعلت لك يا بن أخي ما جعل لي ، وغدا على النعمان فأنشده فأعطاه المائة فوهبها لكعب بن زهير فأبى أن يقبلها .

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى