آداب الاستئذان واحترام الخصوصيات
ديننا دين الجمال والرقي والرفعة والذوق السليم والحس الإنساني المرهف ، فكل ما يتسق مع الآداب الإنسانية العامة هو من صميم الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها ” فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا “(الروم : 30).
ومن أهم الآداب العامة التي ينبغي أن نحافظ عليها أدب الاستئذان حيث يقول الحق سبحانه وتعالى : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (النور : 27) ، وأدب الاستئذان هو أدب راق ، يدل على خلق صاحبه وعفته ورقيه وسمو أخلاقه .
ويزداد الأمر بيانا بقول الحق سبحانه : “فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ “(النور : 28) , وعن أبي موسى (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : ” إذا أستأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع ” (متفق عليه) .
على أن أدب الاستئذان لا يقف عند دخول البيت فحسب إنما يتسع ليشمل سائر الخصوصيات والحقوق الفردية والمجتمعية , صيانة لكرامات الناس وحرماتهم وحرياتهم واحترام مشاعرهم , فلا تفتح حقيبة أحد إلا بإذنه , ولا تستخدم هاتفه إلا بإذنه , ولا تفتح حاسوبه أو تستخدمه إلإ بإذنه , ولا تستعمل قلمه إلا بإذنه , ولا تستخدم مسبحته إلا بإذنه , فللناس خصوصياتهم التي ينبغي أن تحترم.
ويشمل أيضًا الاستئذان عند الخروج من البيت ومغادرته ، فعن ابن عمر (رضي الله عنهما) أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: “إِذَا زَارَ أَحَدُكُمْ أَخَاهَ فَجَلَسَ عِنْدَهُ، فَلا يَقُومَنَّ حَتَّى يَسْتَأْذِنَهُ”.
ومن آداب الاستئذان غض البصر ، وعدم استقبال الباب ، قَالَ (صلى الله عليه وسلم) : (إنَّمَا جُعِلَ الاسْتِئذَانُ مِنْ أجْلِ البَصَرِ) ، وعَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ (رضى الله عنه) أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ وَهُوَ مُسْتَقْبِلٌ الْبَابَ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : (لَا تَسْتَأْذِنْ وَأَنْتَ مُسْتَقْبِلٌ الْبَابَ) ، وقد ورد أن النَّبِي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) كَانَ إِذَا أَتَى بَابًا يُرِيدُ أَنْ يَسْتَأْذِنَ لَمْ يَسْتَقْبِلْهُ ، جَاءَ يَمِينًا وَشِمَالًا ، فَإِنْ أُذِنَ لَهُ وَإِلا انْصَرَفَ ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : “لا يحل لامرئ مسلم أن ينظر إلى جوف بيتٍ حتى يستأذن؛ فإن فعل فقد دخل” (صحيح البخاري) .
هَذَا وَيَنبَغِي أن نعلم أبناءنا ونعودهم على الاستِئذَانَ قبل الدخول مُنذُ بلوغ الحُلُمَ , وأن نغرس هذه الآداب في نفوسهم ، فمن نشأ عليها نال حظًا عظيمًا من الأدب والرقي والتحضر ، يقول الحق سبحانه : ” وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ” (النور 59) .
ومن الآداب التي ينبَغِي أن نراعيها الاستئِذَانُ عَلَى الأهل قبل الدُّخُولِ: يقول ابنُ مَسعُودٍ (رَضِيَ اللهُ عَنهُ) : “عَلَيكُمْ أنْ تَستَأذِنُوا عَلَى أمَّهَاتِكُمْ ” (رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ) , وعن مسلم بن نذير قال: ” سأل رجل حذيفة (رضي الله عنه) أستأذن على أمي ؟ قال: إن لم تستأذن عليها رأيت ما تكره” (صحيح البخاري) ، وعن عطاء قال: سألت ابن عباس فقلت : أستأذن على أختيّ ؟ فقال نعم ، قلت: إنهما في حجري؟ قال : أتحب أن تراهما عريانتين ” .