السكن والمودة
السكن والمودة عملية لا يمكن أن تتم من طرف واحد، وقد قالوا :
مَتَى يَبْلُغُ الْبُنْيَانُ يَوْمًا تَمَامَهُ
إِذَا كُنْتَ تَبْنِيهِ وَغَيْرُكَ يَهْدِمُ
فالحياة أخذ وعطاء ، أو قل عطاء متبادل ، وليست أخذًا فقط .
السكن والمودة مطلوبان في حياتنا كلها وعلاقاتنا كلها ، غير أن الحديث عن السكن والرحمة التي تحمل في طياتها كل معاني المودة وزيادة ، جاء في سياق الحديث عن بناء الأسرة المستقرة ، حيث يقول الحق سبحانه:” وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” , ويقول سبحانه : “يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ” , فقد سمى القرآن الكريم المرأة زوجًا للرجل ولم ترد بلفظ زوجة في القرآن الكريم إلا مرة واحدة، وكأن القرآن الكريم قد اتخذ من التكافؤ اللغوي واللفظي إشارة ودلالة على التكافؤ المعنوي، حيث يقول سبحانه : ” هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ”، ويقول سبحانه” وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ” ، ويقول سبحانه” لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ”، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) في خطبته الجامعة في حجة الوداع” ألا وإن لكم على نسائكم حقا، ولنسائكم عليكم حقا” .
فالأمر قائم على السكن والمودة والرحمة والحقوق والواجبات المتبادلة , بعيدًا عن كل ألوان الغلبة والاستعلاء ، فالحياة الزوجية لا يمكن أن تستقر في أجواء الغلبة والاستعلاء والقهر ، إنما تستقر في أجواء التقدير والاحترام المتبادل ، وإذا كان ديننا الحنيف قد احترم آدمية الإنسان وكرامة الإنسانية فقال سبحانه: ” وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ”، حاثًا بذلك على إكرام الإنسان لآدميته كونه إنسانًا ، فكيف لا يكرم كل زوج من ذكر أو أنثى زوجه الذي اختاره الله له معينًا في مسيرة حياته.
وقد بين لنا نبينا (صلى الله عليه وسلم) أن خير الناس خيرهم لأهله , فلماذا لا تكون الكلمة الأفضل والأحسن والأرحم والأجمل هي المفردة السائدة في حياة الناس الزوجية ، بل الأسرية ، بل المجتمعية ، بل الإنسانية ؟ ، وقد بين الحق سبحانه الفارق الكبير بين الكلمة الطيبة والكلمة الخبيثة فقال سبحانه:” أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ”.
ما أحوجنا إلى الدفء الأسري والتراحم الأسري والكلمة الطيبة داخل الأسرة, ومراعاة كل من الزوجين شعور الآخر في كل كلماته وحركاته وسكناته، بما ينعكس إيجابًا على الجو الأسري بصفة عامة وسلوك وحياة وتنشئة أبنائنا بصفة خاصة، فصحة الأبناء النفسية وسلوكهم المجتمعي مرتبطان إلى حد كبير بجو الأسرة وحالها من المودة والوئام ، أو الفرقة والشقاق ، وهم أمانة في أيدي الأبوين , وكل منا مسئول عن رعيته حفظ أم ضيع يقول نبينا صلى الله عليه وسلم :” أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ” .