العـمق السـوداني
تتميز مصر بميزات عديدة فضلاً عن موقعها الجغرافي والاستراتيجي وكونها ملتقى قارات العالم ومحط أنظاره ، فإنها ترتبط بجذور عديدة ربما لا تتوفر لكثير من الدول ، فهي دولة عربية بكل ما يعنيه الانتماء العربي من معان ، وإسلامية بل رائدة في عالمها الإسلامي بما تملكه من تاريخ عريق في الفكر الوسطي حمله أزهرها الشريف وحضارتها السمحة إلى العالم كله ، وهي دولة أفريقية بل هي بمثابة بوابة أفريقيا ، وذات علاقات تاريخية بدول القارة ، كما أنها إحدى دول حوض البحر المتوسط ، بكل ما يحمله ذلك من علاقات تاريخية بقارة أوروبا، كما أنها لم ولن تدخل في أي أحلاف عدائية ضد أحد، وتحترم إرادات الشعوب ولا تتدخل في الشأن الداخلي لأي دولة من الدول .
ولا شك أن الدولة المصرية تعنى عناية كبيرة بعمقها الأفريقي بصفة عامة والسوداني بصفة خاصة ، فمن ناحية العمق الأفريقي نؤكد أن أفريقيا اليوم ليست أفريقيا الأمس , وأفريقيا معنا ولن تكون علينا, ظروفنا وأوضاعنا ومشكلاتنا وتحدياتنا تحمل كثيرًا من أوجه التشابه والهموم المشتركة, معظم أبناء القارة الأفريقية يبحثون عن السلام وعن الحياة الكريمة, وليس للقارة مطامع في ثروات غيرها, أقصى ما يتمناه أهلها هو أن يتمتعوا بثروات بلادهم وخيراتها , وليس لدى أكثرهم مانع من فتح أبوابهم للتعاون المشترك والقسمة العادلة للمكاسب المشروعة بينهم وبين المستثمرين الجادين من خارجها, وهي قارة لا تزال بكرًا وقادرة على الاستيعاب لضخامة الفرص الاستثمارية بها. جذورنا مع القارة الأفريقية عميقة , وتاريخنا معها تاريخ مشرف , ولمصر في القلب منها مكانة عظيمة, وها نحن نعود وبقوة إلى هذه الجذور, وهو ما يسعى سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى جعله واقعًا ملموسًا في التعاون والتكامل الأفريقي.
أما العمق السوداني فثمة أبعاد كبيرة تجمع الشعبين ، العروبة والإسلام والانتماء الأفريقي ، والتاريخ والجغرافيا والمصير المشترك , ناهيك عن المصالح المشتركة بين الشعبين الشقيقين سواء في مجالات التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي , أم في مجالات التأهيل والتدريب , أم في مجالات الفكر والثقافة , أم في مجالات مواجهة التطرف والإرهاب, أم في ميدان الحفاظ على الهوية العربية الإسلامية المشتركة , في ضوء نبذ العنف وإعلاء قيم التسامح الديني وتعزيز المفهوم الصحيح للحضارة الإسلامية التي تظلّ بظلالها الوارفة أبناء الوطن جميعًا على أرضية المواطنة الكاملة والحقوق والواجبات المتبادلة , سواء بين المواطنين بعضهم وبعض , أم بين المواطنين وبين الدولة, مع العمل على إعلاء قيمة الدولة الوطنية والانتماء للوطن , ثم السعي معًا إلى وحدة الصف العربي في ضوء الإحساس بالمصير المشترك ومدى التحديات التي تتهدد دول المنطقة وبخاصة العربية منها .
ينظر أشقاؤنا السودانيون إلى مصر على أنها الشقيقة الكبرى , وأنها أمُّ الدنيا التي تسطع شمسها ويُضيئ قمرها أرجاء وادي النيل شماله وجنوبه , بل إنه ليضيء كل الورى, وهذه المعاني قد عبر عنها كثير من الشعراء والأدباء والكتاب السودانيين في أدبهم وكتاباتهم .
وكما ينظر أشقاؤنا إلينا نظرة إكبار ، فإننا نبادلهم نفس النظرة بكل الاحترام والتقدير ، فهم عمقنا الاستراتيجي ، وامتدادنا التاريخي والجغرافي .
ولا شك أن الجهود المثمرة التي قامت بها حكومتا البلدين في الفترة الأخيرة قد أثمرت روحًا جديدة , وأن فتح المعابر البرية على الحدود بين الدولتين الشقيقتين سيسهم في خلق واقع جديد في مجال التجارة البينية وخلق مزيد من فرص العمل أمام شباب وأبناء الدولتين , وخلق شراكات استثمارية جديدة وبخاصة في مجال التجارة والزراعة , حيث تُعد السودان ومازالت مهيأة لأن تكون أهم سلة للغذاء العربي , وينبغي التفكير الجاد في تكوين شركات إنتاج وتصنيع زراعي مشتركة تسهم في تحقيق طفرة اقتصادية كبيرة وتوفير عدد من السلع الرئيسة والصناعات الغذائية والمتكاملة , نظرًا لما تمتلكه السودان الشقيقة من مساحات زراعية شاسعة شديدة الخصوبة مع وفرة في المياه وسهولة في الري , وما تمتلكه مصر من مهارات وخبرات فنية , سواء في مجالات الاستزراع, أم في مجالات التصنيع الزراعي وما يتبعه من تجفيف أو تغليف أو تعليب أو تصدير , كما أننا في حاجة مُلحّة إلى تكوين كيانات أو مجالس أعمال مشتركة , وإذا كنا نسعى إلى تكوين مجالس أعمال وكيانات اقتصادية وغرف تجارية مشتركة مع الشرق والغرب ؛ فمن باب أولى أن ننظر إلى الأشقاء والعمق الاستراتيجي في دول حوض النيل, وأن نبدأ على الفور في تشكيل جمعيات رجال الأعمال وسيدات الأعمال وشباب الأعمال المشتركة بين بلدينا الشقيقين , وأن تلقى هذه الكيانات دعم حكومتي مصر والسودان , ونحن على ثقة في استعداد كل من الحكومتين لهذا الدعم غير المحدود , إيمانًا بأن المردود الاقتصادي والاستراتيجي والجيوسياسي سيكون واسعًا وغير محدود , نظرًا لما تمثله كل من الدولتين من عمق استراتيجي للدولة الأخرى .