أبــواب الــرجــاء
أبواب الرجاء واسعة سعة السماوات والأرض ، فقد فتح رب العزة سبحانه وتعالى باب الأمل واسعًا أمام خلقه أجمعين ، وكان سيدنا علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) يقول : قرأت القرآن من أوله إلى آخره فلم أر فيه آية أرجى من قوله تعالى : “قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ” ، وقد قال بعض أهل العلم : إذا كان هذا خطاب الحق سبحانه لمن أسرفوا على أنفسهم فما بالكم بعباده المتقين المحسنين ؟ ، ويقول سبحانه : “وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ” ، ويقول سبحانه : “إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ” ، ويقول سبحانه على لسان مؤمن آل فرعون : “فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ ” ، وعن عبادة بن الصامت (رضي الله عنه) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : “من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله ، وأن عيسى عبد الله ورسوله ، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ، والجنة والنار حق ، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل” (متفق عليه) ، وعن أبي ذر (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : يقول الله (عز وجل) : “من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها أو أزيد ، ومن جاء بالسيئة فجزاء سيئة سيئة بمثلها ، أو أغفر، ومن تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعًا ، ومن تقرب مني ذراعًا تقربت منه باعًا ومن أتاني يمشي أتيته هرولة ، ومن لقيني بقراب الأرض خطيئة لا يشرك بي شيئًا لقيته بمثلها مغفرة” (رواه مسلم) ، وعن أنس بن مالك (رضي الله عنه) أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال : “ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله صدقًا من قلبه إلا حرَّمه الله على النار ، قال : يا رسول الله أفلا أخبر بها الناس فيستبشروا ؟ قال : إذًا يتكلوا ، فأخبر بها معاذ عند موته تأثمًا ” (متفق عليه) .
وكما فتح سبحانه باب الرحمة واسعًا لعباده فتح لهم باب الأمل والرجاء في الرزق والولد والصحة ، يقول سبحانه :” وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ” ، ويقول سبحانه : “وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ” ، ويقول سبحانه :” أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أإلهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ ” .
ففي كل ذلك ما يفتح أبواب الأمل والرجاء في سعة رحمة الله (عز وجل) بعباده ، سواء بقضاء حوائجهم في الدنيا أم بسعة فضله وعفوه ورحمته بهم يوم القيامة ، فلا ييأسْ مريض من مرضه ، ولا فقير من فقره ، فأمر الواحد الأحد بين الكاف والنون ، إذا أراد أمرًا كان ، حيث يقول سبحانه : ” إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ” .