بناء الوعي
إن تشكيل وعي أمة أو بناء ذاكرتها ليس أمرًا سهلا ولا يسيرًا ، ولا يتم بين لحظة وأخرى أو بين عشية وضحاها ، إنما هو عملية شاقة ومركبة ، وأصعب منه إعادة بناء هذه الذاكرة أو ردها إلى ما عسى أن تكون قد فقدته من مرتكزاتها ، فما بالكم لو كانت هذه الذاكرة قد تعرضت للتشويه أو محاولات الطمس أو المحو أو الاختطاف ، ولا سيما لو كان ذلك قد استمر لعقود أو لقرون ؟!
لقد تعرضت ذاكرة الأمة عبر تاريخها الطويل لمحاولات عديدة من المحو أو الشطب أو التغيير ، ناهيك عن محاولات الاختطاف وحالات الخمول والجمود ، وأصبحنا في حاجة ماسة إلى استرداد هذه الذاكرة من خلال إعادة تنشيطها وتخليصها مما علق بها من شوائب في مراحل الاختطاف والتشويه جراء محاولات المحو أو الشطب أو التغييب .
وإذا كان من حاولوا السطو على ذاكرة أمتنا قد استخدموا المغالطات الدينية والفكرية والثقافية والتاريخية للاستيلاء على هذه الذاكرة فإن واجبنا مسابقة الزمن لكشف هذه المغالطات وتصحيح المفاهيم الخاطئة ، وبيان أوجه الحق والصواب بالحجة والبرهان من خلال نشر الفكر الوسطي المستنير ، في المجال الدعوي والثقافي والتعليمي والتربوي والإعلامي ، وإحلال مناهج الفهم والتفكير والإبداع والابتكار محل مناهج الحفظ والتلقين والتقليد ، مع اعتبار العمل على خلق حالة من الوعي المستنير واسترداد ذاكرة الأمة التي كانت مختطفة أولوية لدى العلماء والمفكرين والمثقفين وقادة الرأي والفكر .
على أن بناء الوعي يتطلب الإلمام بحجم التحديات التي تواجهنا لأننا دون إدراك هذه التحديات ودون الوعي بها لا يمكن أن نضع حلولاً ناجحة أو ناجعة لها ، وإذا كان المناطقة يؤكدون أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره ، فإن معالجته أو مواجهة ما يرتبط به من تحديات لا يمكن أن تتم دون سبر أغوار وأعماق هذا التصور ، مما يتطلب تسليط الضوء على تحديات واقعنا المعاصر ، للعمل على خلق حالة من الوعي تسهم في معالجتها ، وحل إشكالاتها أو فك شفرتها ، أملا في الخروج من حالة التشظي والتأزم الفكري إلى حالة من الرشاد الفكري والديناميكية الفكرية التي تعمل على بناء الذاكرة وبناء الأمة معًا ، مع التركيز على القضايا الحيوية والمحورية : دينية ، ووطنية، وثقافية ، ومجتمعية ، مثل: إرادة التغيير ، والتحول من حالة الجمود والتقليد إلى الإبداع والابتكار والتجديد ، والتفرقة بين الثابت والمتغير ، وما هو من شئون الأفراد وما هو من شئون الدول ، والوعي بالقضية السكانية ، والوعي المائي ، والوعي بخطورة المخدرات والإدمان ، والوعي بمخاطر الإلحاد ، والعمق الأفريقي ، وفقه المواطنة، وبناء الدول ، وحماية الأوطان ، وحروب الجيل الخامس ، وتفكيك حواضن الإرهاب ، وخطورة الشائعات ، والصورة الذهنية للأفراد والمجتمعات ، الميثاق الغليظ ، وفقه الحياة السياسية ، وغيرها من الموضوعات ، مع العمل الدؤوب على تصحيح الأفكار المغلوطة ، والمفاهيم الخاطئة ، وكشف ضلالات وأباطيل الجماعات المتشددة والمتطرفة ، وبيان زيغها وزيفها وضلالها وبهتانها ، تحصينًا للنشء والشباب والمجتمع من شر هذه الأفكار والجماعات ، عملا على نشر صحيح الدين والعلم والفكر والثقافة ، وصولا إلى بناء ذاكرة واعية مستنيرة لمجتمعنا وأمتنا ، تأخذ بأيدينا إلى الإسهام الجاد في بناء الحضارة الإنسانية ، وترقى بنا إلى المكانة التي تليق بنا في مصاف الأمم الأكثر تقدمًا ورقيًا ورخاء.