:أهم الأخبارمقالات

منهجية البحث العلمي

 

    البحث يعني التنقيب ، يقال بحث الأرض إذا حفرها ، وبحث الشيء إذا فتش عنه ونقب , وبحث الأمر إذا اجتهد فيه وتعرف حقيقته ، وبحث عن الأمر إذا سأل عنه واستقصى ، والبحث العلمي لا يكاد يخرج عن هذه المعاني ، فهو بذل الجهد في عمل موضوعي جاد بغية الوصول إلى حقيقة معينة ، أو تجلية قضية ، أو حسم الأمر في مشكلة من مشكلات المعرفة الإنسانية ، يقول الحق سبحانه : ” فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ ” أي ينقب فيها ، وهي عملية شاقة تتطلب جهدًا وفكرًا , فلا الجهد العشوائي وحده يكفي ، ولا البحث عملية يسيرة لا تتطلب جهدًا.

ثم إن نسبة البحث إلى العلم تقتضي أن تكون الوسيلة علمية والغاية علمية ، وأدوات البحث علمية ، وتسويقه علميًّا ، ولا يكون الاعتماد في أي من مقتضياته قائمًا على العفوية أو الفهلوة ، فرأي العوام وخداعهم لا يعتد به في قضايا البحث العلمي الدقيق المتخصص ، إنما يعتد فيه برأي أهل العلم من ذوي الخبرة والدربة في مجال الاختصاص ، وبقدر نفع البحث للإنسانية تأتي قيمته العلمية ، ومن ثمة فإن اختيار موضوع البحث يعد أهم نقطة انطلاق فيه حتى قال بعضهم : إن اختيار الموضوع نصف البحث ، وبالغ بعضهم فقال : هو البحث كله ، يعني أن قيمة البحث تأتي من أهمية موضوعه وجديته وأصالته ، وهو أساس الإبداع والابتكار والتميز والتفرد فيه .

ولذا فإن على كل باحث أن يسأل نفسه : ما الذي يضيفه موضوع بحثه في بابه ؟ وما الذي يضيفه في مجاله ؟ وما الذي يضيفه لنفع الإنسانية ؟.

ولا شك أن هذا كله من أهم الاعتبارات والمقاييس في مجال التقييم الدولي للبحوث .

ثم تأتي كلمة منهجية لتحدد منهج البحث ، وتحول بينه وبين عشوائية الدراسة أو تخبطها .

وإذا كانت هذه المنهجية مطلوبةً على مستوى البحوث الفردية فإنها في عصرنا الحاضر أكثر طلبًا وإلحاحًا على مستوى الأقسام والوحدات البحثية ، وعلى مستوى الكليات والجامعات ، بحيث تضع كل جامعة خطة بحثية تراعي فيها خدمة المجتمع والوطن والإنسانية ، وتحدد بدقة أهداف خطتها البحثية في كل علم أو فن أو تخصص ، وتطرح ذلك للنقاش العلمي الواسع في منتدياتها العلمية ومجالاتها المتخصصة ، بل إنني لأذهب أبعد من ذلك فأقول  وتطرحها للمجتمع عبر مناقشات جادة من خلال الوسائل التي تراها مناسبة لطرحها عليه لتفيد من يحمل خبرات أبنائه وتعليقاته على الخطة ، فلربما أفادت رأيًا من هنا ورأيًا من هناك يسهم في إضافة أو تعديل مسار ، وعلى أقل تقدير ليطمئن الرأي العام الرشيد من أن مؤسساته تملك خططًا علمية وبحثية مقنعة ، وربما يستثنى من ذلك كله الأبحاث ذات الطبيعة الخاصة التي تتصل اتصالاً وثيقًا بالأمن القومي للبلاد أو تتطلب السرية لما يرتبط بإخراجها من حقوق الملكية الفكرية ونحو ذلك ، ولا أعني بطرح الخطة للنقاش طرح تفاصيلها الدقيقة وأبعادها الفنية ، إنما أعني طرح الرؤية العامة ، مع التأكيد على الاستفادة بنتائج البحوث الجادة سواء في المجال التطبيقي أم في مجال العلوم الشرعية والإنسانية بطباعة هذه البحوث ونشرها على نطاق واسع أو نشر ملخصات لها على أقل تقدير ، حتى لا يظل معظمها حبيس الأدراج والمخازن دون أن يفيد منه المجتمع.

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى