:أهم الأخبارمقالات

صبر الرضا وصبر العجز

     الصبر ألوان وأنواع ، فمنه الصبر الإيجابي ، وهو صبر الرضا المصحوب بالأخذ بالأسباب للخروج من دائرة الضعف إلى دائرة القوة ، أو الخروج من دائرة السقم إلى دائرة الصحة ،  أو من دائرة الفقر إلى دائرة الغنى ، فقد يبتلى الإنسان في صحته فيصبر , غير أن صبر الرضا لا يحول بينه وبين الأخذ بأسباب التداوي والشفاء والعافية ، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” نعم ، يا عباد الله تدَاوَوْا ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً ، إِلا دَاءً وَاحِدًا ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا هُوَ ؟ قَالَ : الْهَرَمُ ” (رواه الترمذي) .

    وقد يبتلى الإنسان بضيق ذات اليد فيصبر صبر الراضين لا صبر الساخطين ولا صبر العاجزين , إنما يعمل ويعمل ليغير من حاله ، فقد كان سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) يقول : لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق , ويقول اللهم ارزقني وقد علمتم أن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة ، فديننا دين العمل والإنتاج والإتقان والإبداع والابتكار ، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى: “إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا ” (الكهف :30) وجاء لفظ (عملا) نكرة للعموم والشمول، فيجب على الإنسان أن يحسن عمله وأن يتقنه وأن يجوده سواء أكان من أعمال الدنيا أم من أعمال الآخرة ، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” ما أكل أحد طعامًا خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده ” (صحيح البخاري) ، ويقول (صلى الله عليه وسلم): ” لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير له من أن يسأل أحدًا فيعطيه أو يمنعه ” (متفق عليه) ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : ” الساعي على الأَرملة والمسكين، كالمجاهد في سبيل الله ، أو القائم الليل الصائم النهار ” (صحيح البخاري)  .

     ومن أهم ألوان الصبر : الصبر عند البلاء ، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى : “وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ”  (البقرة : 155-156) ، ويقول (عز وجل) : “إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ” (الزمر : 10) ، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” إِنَّ عِظَمَ الْجزاءِ مَعَ عِظَمِ الْبلاءِ، وإِنَّ اللَّه تَعَالَى إِذَا أَحَبَّ قَوماً ابتلاهُمْ، فَمنْ رضِيَ فلَهُ الرضَا، ومَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ ” (رواه الترمذي).

     على أن الصبر الحقيقي هو ما يكون عند الصدمة الأولى أو عند نزول المصيبة ، ذلك أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قد مرَّ على امرأة تبكي عند قبر فقال (صلى الله عليه وسلم) : “اتقي الله واصبري” , فقالت: إليك عني، فإنك لم تصب بمصيبتي ولم تعرفه، فقيل لها: إنه النبي (صلى الله عليه وسلم) فأتت باب النبي (صلى الله عليه وسلم) فلم تجد عنده بوابين، فقالت: لم أعرفك، فقال: “إنما الصبر عند الصدمة الأولى”(متفق عليه).

     وإذا كان الإنسان سيصبر سيصبر ، فليؤثر صبر الرضا وهو الصبر الذي لا شكوى ولا ضجر ولا سخط معه ، لا صبر العجز واليأس والإحباط ، يقول الحق سبحانه في كتابه العزيز : ” مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ” (الحج :15) .

    وسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً ؟ قَالَ : ” الأَنْبِيَاءُ ، ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ ، يُبْتَلَى النَّاسُ عَلَى قَدْرِ دِينِهِمْ ، فَمَنْ ثَخُنَ دِينُهُ ، اشْتَدَّ بَلاؤُهُ ، وَمَنْ ضَعُفَ دِينُهُ ضَعُفَ بَلاؤُهُ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لِيُصِيبَهُ الْبَلاءُ حَتَّى يَمْشِيَ فِي النَّاسِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ ” ، ويقول(صلى الله عليه وسلم) : “َمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً هُوَ خَيْرٌ مِنَ الصَّبْرِ” (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) ، وقال  (صلى الله عليه وسلم) : ” إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ قَوْمًا ابْتَلاهُمْ فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا ، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ “.

    على أن الصبر الإيجابي من أهم سبل التمكين حيث يقول الحق سبحانه : ” وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ” , على أننا في تغيير أحوالنا لسنا مطالبين بمجرد الصبر , بل بالصبر الجميل , وبالمصابرة التي هي أعلى درجات الصبر, حيث يقول الحق سبحانه : “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” ، والمصابرة مفاعلة تقع بين طرفين وفيها مقاومة ، والمعنى : واجهوا صبر عدوكم بصبر يغلب صبره، حيث يقول الحق سبحانه : ” إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ” ، ومن معاني المصابرة – أيضًا –  : غالبوا صبر الشيطان على محاولات إغوائكم بصبر في طاعة الله يغلب صبره على إغوائكم.

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى