:أهم الأخبارمقالات

العلم الكسبي والعلم الكشفي

     عندما نتحدث عن العلم من جهة كونه كسبيًا وكشفيًا , فإننا نؤكد أن العلم المطلق لله وحده , حيث يقول سبحانه : ” وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا” , ويقول سبحانه : ” عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا”, ويقول سبحانه : “وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ”, ويقول سبحانه: “إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ”.

     وفي حق الخلق العلم نوعان : الأول كسبي , ويتأتى بالجهد والاجتهاد والتحصيل , وفيه يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ”.

     والنوع الثاني هو العلم الفيضي أو الكشفي أو اللدني , حيث يقول سبحانه: “وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ” , ويقول سبحانه في شأن العبد الصالح المعروف بالخضر : ” آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا” , ويقول سبحانه في شأن سيدنا سليمان (عليه السلام): ” فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آَتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ ” , ويقول سبحانه في شأن سيدنا يحيى (عليه السلام) : ” وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا” , ويقول سبحانه في شأن سيدنا إبراهيم (عليه السلام): “وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آَتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ”, ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين، وإنما أنا قاسم والله يعطي، ولم تزل هذه الأمة قائمة على أمر الله لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله” , وكان الصحابة يقولون لنبينا (صلى الله عليه وسلم) نحن بنو أب واحد , ونراك تكلم وفود العرب بما لا نعلم فمن علمك يا رسول الله؟ فقال عليه الصلاة والسلام: “أدّبني ربي فأحسن تأديبي” والمراد بالتأديب هنا التعليم.

    ولما جاء وفد بني تميم إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) قالوا : يا محمد جئنا لنفاخرك فأخرج لنا خطيبك وشاعرك , فلما تحدث خطيب رسول الله بزّ خطيبهم وتحدث شاعرهم فأجابه سيدنا حسان بن ثابت فأحسن وأبلغ وأفحم شاعرهم فقال القوم : والله إن هذا   الرجل لمؤتى له “أي لموفق بمدد رباني” ، لخطيبه أبلغ من خطيبنا وشاعره أشعر من شاعرنا.

       على أننا نفرق بين العلم الفيضي أو الكشفي الذي يمن الله به على عباده المتقين  الصالحين الذين يعملون بما يتعلمون , وبين أدعياء الصلاح والتقوى والولاية , فالعلم الذي لا يبنى على معرفة أصول الشريعة وفروعها , وعلى الفهم الثاقب المستنير لدين الله (عز وجل) فهو علم الدخلاء والأدعياء الذي لا يعتد به ولو طار صاحبه في الهواء أو مشي على الماء.

        ومن العلم الكشفي ما من الله به (عز وجل) على العبد الصالح الذي ذكر العلماء أنه الخضر (عليه السلام) على نحو ما قصه علينا القرآن الكريم في سورة الكهف عندما طلب منه موسى أن يأذن له باتباعه لينهل من علمه , وكان ما كان من الحوار بينهما : ” حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا” , وحتى كان ما كان من قتل العبد الصالح للغلام وإقامته للجدار , وانتهى الأمر ليقول العبد الصالح لموسى (عليه السلام) : ” قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا “.

       ولا شك أن ما ذكره الخضر لموسى (عليه السلام) ليس مما يتعلم من بطون الكتب إنما هو من العلم الفيضي أو الكشفي أو اللدني الذي يمن الله (عز وجل) به على من يشاء من عباده الصالحين غير الأدعياء أو الدجالين , فالعالم الحقيقي غير دعيّ , والدعيّ غير وليّ.

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى