الإلحاد ومخاطره
لا شك أن الإلحاد يشكل خطرًا داهما على الفرد والمجتمع والوطن والأمة العربية كلها ، فهو يتهدد النسيج الاجتماعي والفكري من جهة ، كما أنه يتهدد أمنها القومي من جهة أخرى ؛ فتحت مسمى حرية المعتقد يهدف أعداء الأمة إلى تمزيق كيانها وضرب استقرارها بكل السبل والأساليب الشيطانية ، سواء بتبني ودعم الجماعات الإرهابية التي تسيئ إلى صورة العرب والمسلمين ، وتصورهم على أنهم همج رعاع رجعيون يعودون بالإنسانية إلى ما قبل التاريخ ، أم بدعم الجماعات الإلحادية المتحللة من كل القيم الأخلاقية والوطنية ممن يسهل توظيفهم لخدمة أجندات ومخططات أجنبية دون وازع من دين أو ضمير وطني .
وإننا لندرك ونؤكد أن الإسلام قائم على حرية الاختيار ، حيث يقول الحق سبحانه: “لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ” (البقرة : 256) ، ويقول الحق سبحانه : “وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ” (يونس : 99) ، ويقول سبحانه: “وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ” (هود : 118-119) غير أن هذه الحرية التي نؤمن بها ونعمل على ترسيخها في سبيل تحقيق المواطنة المتكافئة شيء ، والدعوة إلى الفوضى والإلحاد الذي تنبذه الشرائع السماوية شيء آخر.
وقد أجمعت الشرائع السماوية على ما فيه خير البشرية ، وما يؤدى إلى سلامة النفس والمال والعرض ،وقيم : العدل ، والمساواة ، والصدق ، والأمانة ، والحلم ، والصفح، وحفظ العهود ، وأداء الأمانات ، وصلة الأرحام ، وحق الجوار ، وبر الوالدين، وحرمة مال اليتيم ، وهي مبادئ إنسانية عامة لم تختلف عليها الشرائع السماوية ، ولم تنسخ في أي شريعة منها.
أما الإلحاد فله مفاسد وشرور لا تُحصى ولا تُعد على الفرد ، والمجتمع ،والأمم ، والشعوب، منها: اختلال القيم وانتشار الجريمة وتفكك الأسرة والمجتمع والخواء والاضطراب النفسى ، وتفشى ظواهر خطيرة كالانتحار، والشذوذ ، والاكتئاب النفسي.
وهو صناعة أعداء هذه الأمة الذين فشلوا في زرع الفتنة بين نسيجها الوطني شديد الصلابة والتماسك ، فعمدوا – ضمن ما عمدوا إليه من وسائل متعددة – إلى محاولة جديدة لتدمير هذه الأمة ، وهدم بنيانها من أساسه، بزرع الحيرة والشك في أصحاب النفوس الضعيفة ، بإيهامهم أن انسلاخهم من عقائدهم الراسخة سيفتح أمامهم باب الحرية في الشهوات والملذات واسعًا، بلا وخز من ضمير أو رقابة لأيّة سلطة إيمانية.
غير أن السير في هذا الدرب مُدمّر لصاحبه ، مُهلِك له في دنياه وآخرته ، فواقع الملحدين مُرّ مليء بالأمراض النفسية والجسدية من الشذوذ ، والانحراف ، والاكتئاب ، وتفشّي الجريمة، واتساع نطاق الانتحار والقتل والتدمير، يقول الحق سبحانه : “و َمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى ” (طه : 125-127) ، ويقول سبحانه : ” وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ” (محمد : 8).
على أننا نؤكد أن الدين قوام الحياة الطبيعية وعمادها، والحياة بلا دين حياة بلا قيم ، بلا ضوابط ، بلا أخلاق، والدين هو العمود الفقرى لضبط مسار البشرية على الطريق القويم ” فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ” (الروم : 30) ، ولا يمكن للعقوبات الدنيوية والأعراف والتقاليد وحدها مهما كانت دقتها أن تضبط حركة الإنسان فى الكون ، مالم يكن لهذا الإنسان ارتباط وثيق بخالقه، وقد قال أحد الحكماء : من الصعب بل ربما كان من المستبعد أو المستحيل ، أن نخصص لكل إنسان حارسًا يحرسه أو مراقبًا يراقبه، وحتى لو خصصنا لكل إنسان حارسًا يحرسه أو مراقبًا يراقبه، فالحارس قد يحتاج إلى من يحرسه، والمراقب قد يحتاج إلى من يراقبه، ولكن من السهل أن نربى فى كل إنسان ضميرًا حيًًّا ينبض بالحق ويدفع إليه، راقبناه أو لم نراقبه، لأنه يراقب من لا تأخذه سنة ولا نوم.