:أخبار وآراءأهم الأخبارمقالات

الأولـى بابتسامتك

أ.د/ محمد مختار جمعة
وزير الأوقاف

  عندما نتحدث عن قضية الأسرة فإننا لابد أن نقف عند مفهوم الميثاق الغليظ الذي تحدث عنه القرآن الكريم في قوله تعالى : ” وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا  أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا *وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا” .

  وهذا الميثاق الغليظ يقتضي الحفاظ عليه بحسن العشرة وحسن المعاملة والحرص على السكينة والمودة والرحمة في جنبات الأسرة كلها ، وفيما بين الزوجين بصفة أخص .

  ولم يقف الأمر عند وصف عقد النكاح بالميثاق الغليظ ، بل أطلق عليه القرآن الكريم عقدة  النكاح في قوله تعالى : ” وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ” ، والعقدة تعني شدة الإحكام ، فهو عقد محكم شديد الإحكام لا ينبغي حل عقدته إلا بحقه وفي الضرورة القصوى التي يستحيل معها استمرار الحياة ، وذلك كله حفاظًا على كيان الأسرة وتماسكها من أن تهدم ، وعلى الأبناء من أن يتعرضوا للتشرد والضياع أو الاضطراب النفسي ، وللمجتمع من أن يصيبه شيء من التصدع أو التفسخ ، ومعلوم أن تماسك المجتمع يكون بقدر تماسك لبناته الأسرية ، وأن تفككه أو ضياعه يكون بقدر تفكك لبناته أو ضياعها ، فالأسر هي اللبنات المشكلة للمجتمع ، قوته من قوتها ، وضعفه من ضعفها .

  على أن بعضنا قد لا يلتفت إلى حق الأسرة وأهمية الحفاظ عليها والعناية بها ، مع أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قد أرشدنا وعلمنا أن خير الناس أنفعهم للناس ، وخير الناس خيرهم لأهله ، وقال (صلى الله عليه وسلم) : ” دِينَارٌ أَنْفَقْته فِي سَبِيلِ اللَّهِ, وَدِينَارٌ أَنْفَقْته فِي رَقَبَةٍ , وَدِينَارٌ تَصَدَّقْت بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ , وَدِينَارٌ أَنْفَقْته عَلَى أَهْلِك , أَعْظَمُهَا أَجْرًا الَّذِي أَنْفَقْته عَلَى أَهْلِك” ، ومر رجل على أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم)  فأعجبوا بقوته ونشاطه وجلده فقالوا : لو كان ذلك في سبيل الله فقال (صلى الله عليه وسلم) : “إِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَارًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَفِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ لِيَعِفَّهَا فَفِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَهْلِهِ فَفِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى تَفَاخُرًا وَتَكَاثُرًا فَفِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ”.

  وحذرنا من أن نضيع من نعول أو نقوت فقال (صلى الله عليه وسلم): “كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يعول” ، وقال (صلى الله عليه وسلم) : “إن الله (عز وجل) سائل كل راع عما استرعاه حتى أنه ليسأل الرجل عن أهل بيته” .

  وإذا كان الإسلام قد حثنا على الأمل والتفاؤل وجعل ابتسامة الإنسان في وجه أخيه الإنسان صدقة ، وقال نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق ” (رواه مسلم) ، داعيًا إلى إشاعة روح البهجة في المحيط الإنساني ، فإن أولى الناس بذلك وأحقهم بابتسامتك هم أهلك من زوجك وولدك ، لا أن تبتسم في وجه المجتمع كله “وهذا مطلب” ، ثم تضن بهذه البسمة وتلك الروح الإيجابية على أولى الناس بك وهم زوجك وأهلك وولدك بحجة أو زعم أنهم ينبغي أن يتحملوك ، والأمر على غير ذلك .

  ما أجمل أن نبني حياتنا على الحب ، على المودة ، على السكينة ، على الرحمة ، بين الزوج وزوجه، بين الأب والأم وأبنائهما ، بين الجار وجاره ، بين الزميل وزميله ، حبًا متبادلاً ، ومودة متبادلة بين الجميع ، وساعتها سيتعلم كل الناس حب الحياة ، ويتذوقون طعم الحب والألفة والمودة ، بدلا من حالات الشقاق بين الزوجين بما يترتب عليها من ارتفاع معدلات الطلاق وتشرد الأبناء وضياعهم ، وحالات الشقاق بين الآباء والأبناء بما يترتب عليها من القسوة والعقوق ، وبين الجيران وبين الزملاء وبين العمال وأصحاب العمل ، بما تعج به أروقة المحاكم من قضايا أسرية ، وعمالية ، ونزاعات وشجارات ، كان من الممكن أن نتفادى كثيرًا منها لو فهمنا الأديان وحتى المعاني الإنسانية الراقية حق الفهم ، وأخذنا أنفسنا بها ، وأحسنا ترتيب أولوياتنا ، وبدأ كل إنسان منا بنفسه ، وأدى الذي عليه كما يحب أن يأخذ الذي له .

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى