:أهم الأخبارمقالات

الميثـاق الغليـظ

     ورد لفظ الميثاق الغليظ في القرآن الكريم ثلاث مرات ، الأولى في قوله تعالى : “وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ  وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا “(الأحزاب : 7) ، وهو ميثاق تبليغ الرسالة ، فالله (عز وجل) أخذ من هؤلاء الأنبياء ميثاقًا عظيم الشأن بالغ الخطورة ، وغلظ ميثاق النبيين (عليهم السلام) هو سؤالهم عما فعلوا في الإرسال كما قال تعالى ” فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ ” (الأعراف : 6) ، وهذا لأن الملك إذا أرسل رسولا وأمره بشيء وقبله فهو ميثاق ، فإذا أعلمه بأنه يسأل عن حاله في أفعاله وأقواله يكون ذلك تغليظًا للميثاق عليه حتى لا يزيد ولا ينقص في الرسالة ، مما يدل على أنه عهد في أقصى درجات الدقة والأهمية .

     وجاء ذكر نبينا (صلى الله عليه وسلم) في الآية الكريمة : “مِنكَ” ، وذكر نوح وإبراهيم وموسى وعيسى (عليهم السلام) بعد ذكر النبيين من باب ذكر الخاص بعد العام ، كونهم أُولِي العزم من الرسل وتحملوا ما لم يتحمله غيرهم في سبيل تبليغ رسالات الله (عز وجل) .

     والمرة الثانية في قوله تعالى عن بني إسرائيل : “وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا” (البقرة : 63) ، وغِلَظ الميثاق هنا لأنه كان شديدًا قويًا في معناه وموضوعه وما اشتمل عليه من أوامر ونواه وأحكام مع التأكيد على الالتزام بما حمله الميثاق ، ولأنهم كانوا منغمسين في الجحود والعناد والإنكار فكان المناسب في الآية تأكيد العهد والميثاق وتغليظه عليهم مراعاة لطبيعتهم الناكثة للعهود .

     وقد أسند رب العزة (عز وجل) أخذ الميثاق إلى ذاته العلية في قوله تعالى : “أَخَذْنَا” تنبيهًا على أهميته ، فقد أخذ سبحانه وتعالى العهد  والميثاق على اليهود  أن يعملوا بما أمرهم (عز وجل) به وأن ينتهوا  عما نهاهم عنه ، إلا أنهم نقضوا عهودهم ومواثيقهم  وكفروا بآيات الله ونبذوها وراء ظهورهم ، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى : “وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ” (البقرة : 65) ، ويقول سبحانه : ” فَلَمَّا عَتَوْا عَن مَّا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ” (الأعراف : 166) .

     والمرة الثالثة في قوله تعالى : “وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا ” (النساء : 20-21) ، ووصف الميثاق بالغلظة في هذه الآية الكريمة لقوته وعظمته ومدى أهميته في بناء الأسرة ، والميثاق  الغليظ هو العهد الذي أُخِذ للزوجة على زوجها عند عقد النكاح ، وما يتضمنه من حق الصحبة والمعاشرة بالمعروف .

        وقد ربط الإمام الفخري الرازي في تفسيره بين أخذ الميثاق الغليظ من النبيين وأخذه  من الأزواج بما يؤكد أن الجامع بينهما هو الأهمية وضرورة مراعاة هذا العهد وتعهده والوفاء بحقه .

    والميثاق الغليظ يقتضي حسن المعاشرة بين الزوجين ، والصدق ، والتضحية ، والبذل ، والوفاء والحب ، والتفاهم  ، وقالوا : صحبة عشرين يوما قرابة ، فكيف بما يجري بين الزوجين من الاتحاد والامتزاج , وقد جعل نبينا (صلى الله عليه وسلم) الإحسان للنساء مقياسًا للخيرية قَالَ : (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي ) .

    وكل ذلك إنما هو تأكيد على أهمية تقوية عرى الروابط الأسرية ، وضرورة رعايتها والحفاظ عليها ، فالأسرة التي تُبنى على المودة والرحمة والتفاهم والحوار الهادئ تكون  أكثر سعادة واستقرارًا وتثمر نباتًا حسنًا ، وأبناء صالحين ، وتكون لبنة هامة في بناء مجتمع قوي متماسك ، والأسرة التي تُبنى على الأنانية والقسوة وتجف فيها المشاعر الإنسانية سرعان ما تحمل عوامل هدمها ، وتكون لبنة قلقة بين لبنات البناء المجتمعي الذي يكون حظه من القوة أو الضعف وفق نسب قوة أو ضعف الأسر التي تشكل بناءه ومجمل لبناته .

 

 

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى