:أهم الأخبارمقالات

أمانـــة الكلمــــة

      الكلمة أمانة ، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم وأعراضهم، وأسرارهم ، وكان محل ثقتهم .

     الحديث أمانة ، والسر أمانة ، والمستشار مؤتمن ، وشر الناس وأبعدهم منزلة من سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يوم القيامة الثرثارون المتفيهقون، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله (عز وجل) لا يلقي لها بالا يهوي بها في النار بُعْدَ الثريا ، فالكلمة قد تكون فتنة ، والفتنة أشد من القتل ، وقد مر نبينا (صلى الله عليه وسلم) على قبرين فقال : “إنهما ليعذبان (أي صاحبيهما)” ، وما يعذبان في كبير “أي لا يعذبان في أمر يعده الناس كبيرًا غير أنه كبير عن الله (عز وجل)” أما أحدهما فكان يمشي بين الناس بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستبرئ من البول” .

      وحفظ اللسان واجب , فعن سيدنا معاذ بن جبل (رضي الله عنه) قال: كنت رديف رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال لي : ” أَلَا أَدُلُّكَ على رَأْسِ الْأَمْرِ وَعَمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ ؟ ” قُلْتُ : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : ” رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ ” ، ثُمَّ قَالَ : ” أَلَا أُخْبِرُكَ بِمِلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ ؟ ” قُلْتُ : بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ فَقَالَ : ” اُكْفُف عَلَيْكَ هَذَا , فَقُلْتُ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ ؟ قَالَ : ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ ! وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ – إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ ؟” , ويقول الشافعي (رحمه الله):

اِحفَظ لِسانَكَ أَيُّهـــا الإِنســــانُ

لا يَلــــــدَغَنَّــــــكَ إِنَّـــهُ ثُعبــــانُ

كَم في المَقابِرِ مِن قَتيلِ لِسانِهِ

كانَت تَهــابُ لِقـــاءَهُ الأَقـــرانُ

     ونحن مأمورون بأن نقول الخير أو نصمت , حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : “مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ” , والصمت أمر ليس سهلا , بل إنه ليحتاج إلى دربة ورياضة , وقد قالوا خلق الله للإنسان لسانا واحدًا وأذنين , فليحرص على أن يسمع أكثر مما يتكلم , وإذا تحدث فليقل خيرًا وصدقًا , لأنه إن تحدث فكذب أصابته خصلة من خصال المنافقين فَعُدَّ منهم , وإن أفشى سرًّا ائتمنه عليه الناس كان خائنًا للأمانة فضم لنفسه صفة أخرى من صفات المنافقين , حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ : إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ” , وليست الأمانة أو الخيانة في المال فقط , بل هي أعم وأشمل, وربما انضم إلى الكذب والخيانة خلف الوعد حين يفشي الإنسان سرًّا وَعَدَ بعدم إفشائه فيستجمع خلال النفاق كلها.

     وليس الإنسان مطالبا بألا يكذب فقط , بل عليه أن يتحقق ويتثبت ويتحرى الصدق ” وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا” , أما أن يطير خلف كل زاعق وناعق , فجزاؤه حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ” .

      وقد أمرنا رب العزة (عز وجل) بالتحقق والتبين فقال سبحانه : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ” .

       ومن أمانة الكلمة ألا يتحدث الإنسان أو يفتي فيما ليس له به علم , ففي الحديث : “أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار” , فمن أفتى من أهل العلم فاجتهد فأخطأ فله أجر اجتهاده , وإن اجتهد فأصاب فله أجران : أجر لاجتهاده وأجر لإصابته , أما غير العالم وغير المتخصص فإنه إن أفتى فأصاب فعليه وزر , وهو وزر التجرؤ على الفتوى , وإن اجتهد فأخطأ فعليه وزران , وزر الخطأ ووزر التجرؤ على الفتوى ، ولا يشفع له التعقيب بعبارة “والله أعلم” ، فهذا ما يعقّب به العالم بعد اجتهاده لا الجاهل تغطية لحمقه وجهله .

     وأمانة الكلمة ليس قصرًا على المجال الديني ، بل هي أعم , فهي أمانة في المجال السياسي ، والمجال الاقتصادي ، والمجال القانوني ، والمجال العلمي ، وسائر المجالات والتخصصات , حتى في الحرف والأعمال والصناعات، يقول الحق سبحانه : ” فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا” ، ويقول سبحانه : “فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ” ، وأهل الذكر ليسوا أهل العلم فحسب , بل هم أهل الخبرة في سائر المجالات والميادين .

     فما بالكم إذا كان الكذب ممنهجًا ومتعمدًا على نحو ما يحدث في بث الشائعات التي تبثها الجماعات الإرهابية والمتطرفة ليل نهار دون وازع من دين أو قيم أو أخلاق أو حتى ضمير إنساني حيّ ، والكذب هو الكذب منطوقًا أو مقروءًا أو مشيّرًا عبر مواقع التواصل ، وقد قالوا :

ومـــا مــن كـــاتب إلا سيفــنى

ويبقـى الـدهر ما كتبت يداه

فلا تكتب بخطك غيـر شــيء

يســـرك يـــوم القيــامة أن تراه

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى