سنن العبادات وأعمال العادات
إن من الخطأ الفادح الخلط بين سنن العبادات وأعمالالعادات ، وإلباس أعمال العادات ثوب سنن العبادات ، بل الأدهى والأمر هو الانغلاق والتحجر والإصرار غير المبرر على ذلك ، مع أن الأصل في السنة أن من فعلها فله أجرها وثوابها ومن لم يفعلها فاته هذا الأجر والثواب ، فقد سأل أحد الناس النبي (صلى الله عليه وسلم) عن الإسلام فَقَالَ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : (خَمْسُ صَلَواتٍ في اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ) قَالَ : هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ ؟ قَالَ : ( لاَ ، إِلاَّ أنْ تَطَّوَّعَ ) فَقَالَ رسولُ الله (صلى الله عليه وسلم) : ( وَصِيامُ شَهْرِ رَمَضَانَ) قَالَ : هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ ؟ قَالَ : ( لاَ ، إِلاَّ أنْ تَطَّوَّعَ) قَالَ : وَذَكَرَ لَهُ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الزَّكَاةَ ، فَقَالَ : هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا ؟ قَالَ : ( لاَ ، إِلاَّ أنْ تَطَّوَّعَ ) فَأدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ : وَاللهِ لاَ أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلاَ أنْقُصُ، فَقَالَ رسول الله (صلى الله عليه وسلم): ( أفْلَحَ إنْ صَدَقَ(” , وقال (صلى الله عليه وسلم) : “ اضْمَنُوا لِي سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ, أَضْمَنْلَكُمْ الْجَنَّةَ؛ اصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ, وَأَوْفُوا إِذَا وَعَدْتُمْ, وَأَدُّوا إِذَااؤْتُمِنْتُمْ, وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ, وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ, وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ ” , ولما سئل (صلى الله عليه وسلم) عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ فَقَالَ: “ تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ “.
وأكثر إجاباته (صلى الله عليه وسلم) على أسئلة من كانوا يسألون عن دخول الجنة كانت تدور حول أداء الفرائض , واجتناب الكبائر , والحرص على مكارم الأخلاق , وكل ما ينفع الناس , فعندما سأله (صلى الله عليه وسلم) أحد الناس أن يدله على عمل يدخله الجنة أجابه (صلى الله عليه وسلم) بقوله : “أَمِطِالأَذَى عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ” , ويقول (صلى الله عليه وسلم) : “إماطةالأذى عن الطريق صدقة” , ذلك أن الإسلام جاء لتحقيق مصالح البلاد والعباد ونشر كل ما يحقق الأمن والسلام الاجتماعي وسعادة البشرية في آن واحد.
ومع تأكيدنا على الحرص على الالتزام بالسنة النبوية رغبة في عظيم الأجر والثواب ، فإننا يجب أن نفرق بوضوح بين ما هو من سنن العبادات وما يندرج في أعمال العادات, فحثه (صلى الله عليه وسلم) على صيام يوم عرفة أو يوم عاشوراء أمر تعبدي يدخل في سنن العبادات، وكذلك بدؤه (صلى الله عليه وسلم) الوضوء بغسل يديه ثم تمضمضه واستنشاقه فهو أيضًا سنة من سنن العبادات ، لأن ذلك كله من شئون العبادات ، أما ما يتصل باللباس ووسائل السفر ونحوه فهو من باب العادات وما كان متاحًا على عهده (صلى الله عليه وسلم) .
فكما لا يمكن لعاقل أن يقول : لن أركب السيارة أو الطائرة اليوم وسأسافر بالجمل كما كان النبي (صلى الله عليه وسلم)يفعل ، فإنه ليس من المعقول أيضًا القول بأن هذا اللباس أو ذاك غير موافق للسنة النبوية المشرفة ، ما دام هذا الثوب يستر العورة .
ومرجع العادات إلى العرف والعادة ، وما يراه الناس ملائمًا لعصرهم وبيئاتهم وطبيعة عملهم ، ما لم يخالف ثابت الشرع الشريف .
وبما أن عورة الرجل هي ما بين سرته وركبته ، فكل ما يستر هذه العورة غير شفاف ولا مجسد لها فلا حرج فيه ولا إنكار على أصحابه ، سواء ارتدى الشخص بدلة أم جلبابًا ، والأمر يحكمه العرف والعادة ، فالعادة محكمة كما نص الفقهاء .
ولا حرج أن يكون لعلماء الدين لباسهم الذي يميزهم عن سواهم ، وكذلك الحال في الأطباء والمحامين ورجال الجيش والشرطة أو القضاء ، لكن أن نجعل من هذا اللباس أو ذاك دينًا وما سواه ليس دينًا فهو ما لم يقل به أحد من أهل العلم.
ويجب أن نفهم ما ورد من آراء بعض العلماء في ضوء عاداتقومهم وزمانهم ومكانهم ، فإذا كان الإمام الشافعي (رحمه الله)قد عدَّ غطاء الرأس من لوازم المروءة فإنه إنما راعى ظروف بيئته وعصره ، وقد رأينا في عقود ماضية وعاينا في بعض البيئات المعاصرة من يعُد عدم غطاء الرأس مخلاًّ بالمروءة، لأن عادة القوم جرت به ، أما أن نجعل ذلك دينًا وعلامة من علامات الصلاح والتقوى ومن يخالف ذلك يتهم في دينه ، أو أن نحاول حمل الناس على ذلك باعتباره دينًا أو سنة أو كلام فقيه واجب الاتباع فهذا عين الجهل والتحجر والجمود .