:أهم الأخبارمقالات

جوهر الإسلام ومقاصده العليا

  الإسلام عدل كله , رحمة كله , سماحة كله , تيسير كله , إنسانية كله , وأهل العلم قديمًا وحديثًا على أن كل ما يحقق هذه الغايات الكبرى هو من صميم الإسلام , وما يصطدم بها أو يتصادم معها إنما يتصادم مع الإسلام وغاياته ومقاصده .
الإسلام دين مكارم الأخلاق , ورسالته أتت لإتمام هذه المكارم , حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : “إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ” , فحيث يكون الصدق , والوفاء , والأمانة , والبر , وصلة الرحم , والجود , والكرم , والنجدة , والشهامة , والمروءة, وكف الأذى عن الناس, وإماطة الأذى عن الطريق , وإغاثة الملهوف , ونجدة المستغيث , وتفريج كروب المكروبين , يكون صحيح الإسلام ومقصده , وحيث تجد الكذب ، والغدر , والخيانة , وخلف الوعد , وقطيعة الأرحام , والفجور في الخصومة , والأثرة , والأنانية , وضيق الصدر, فانفض يدك ممن يتصف بهذه الصفات ومن تدينهم الشكلي , واعلم أنهم عبء ثقيل على الدين الذين يحسبون أنفسهم عليه , لأنهم بهذه الأخلاق وتلك الصفات منفرون غير مبشرين , صادون عن دين الحق لا دعاة إليه , وإن زعموا عكس ذلك وأقسموا واجتهدوا , فلا خير فيهم ولا وزن لقسمهم , وإن أعجبك قولهم وأدهشتك بلاغتهم فتذكر قول الله تعالى : ” وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ” (البقرة : 204-206) , وقوله سبحانه : ” إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ” (المنافقون : 1-4) .
إن الإسلام دين العمل والإنتاج والإتقان ونفع البشرية , فحيث يكون العمل والإنتاج والإتقان ونفع البشرية يكون التطبيق العملي لمنهج الإسلام , وحيث تكون البطالة والكسل والتخلف عن ركب الحضارة فكبر على من يتصف بذلك أربعًا , وإن تسمى بأسماء المسلمين وحسب نفسه عليهم , فهو عبء على دين الله (عز وجل) وعالة على خلقه.
وأهل العلم والفقه في القديم والحديث على أن المقاصد العليا للشريعة تدور في جملتها حول تحقيق مصالح العباد , فحيث تكون المصلحة فثمة شرع الله (عز وجل) , يقول الشاطبي (رحمه الله) : المعلوم من الشريعة أنها شرعت لمصالح العباد ؛ فالتكليف كله إما لدرء مفسدة , وإما لجلب مصلحة , أو لهما معًا .
ويقول : إن الشرائع إنما جيء بها لمصالح العباد ؛ فالأمر ، والنهي , والتخيير ، وجميع التكاليف راجعة إلى حظ المكلف ومصالحه ؛ لأن الله (عز وجل) غني عن الحظوظ , منزه عن الأغراض .
ويقول العز بن عبد السلام (رحمه الله) : لا يخفى على عاقل أن تحصيل المصالح المحضة، ودرء المفاسد المحضة عن نفس الإنسان وعن غيره محمود حسن، وأن تقديم أرجح المصالح فأرجحها محمود حسن، وأن درء أفسد المفاسد فأفسدها محمود حسن، وأن تقديم المصالح الراجحة على المرجوحة محمود حسن، وأن درء المفاسد الراجحة على المصالح المرجوحة محمود حسن ، واتفق الحكماء أيضا ، وكذلك الشرائع على تحريم الدماء، والأعراض، والأموال ، وعلى تحصيل الأفضل فالأفضل من الأقوال والأعمال .
وعلى الجملة فإن فهم جوهر الإسلام , ومعرفة أسرار رسالته السمحة , والوقوف على مقاصده وغاياته السامية , وتطبيق ذلك كله في ضوء مستجدات العصر ومتطلباته , يعد ضرورة ملحة لمواجهة التحديات المعاصرة , وكبح جماح الجماعات الإرهابية والمتطرفة, ومحاصرة الفكر المتطرف , وكسر دوائر التحجر والجمود والانغلاق وسوء الفهم وضيق الأفق , والخروج من هذا الضيق إلى عالم أرحب وأوسع وأيسر , وأكثر نضجًا ووعيًّا , وبصرًا وبصيرة , وتحقيقا لمصالح البلاد والعباد , ونشر القيم الإنسانية الراقية التي تحقق أمن وأمان وسلام واستقرار وسعادة الإنسانية جمعاء , فخير الناس أنفعهم للناس , وما استحق أن يولد من عاش لنفسه.

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى