:أهم الأخبارمقالات

مخاطر الانفجار السكاني

أ.د/ محمد مختار جمعة
وزير الأوقاف

بداية نؤكد أن ثاني أهم تحد أمام الدولة المصرية بعد الإرهاب هو مخاطر الانفجار السكاني , فزيادة نحو مليوني ونصف المليون نسمة سنويًّا يعني أننا في حاجة إلى بناء ألفين وخمسمائة مدرسة على الأقل بتجهيزاتها وتوفير نحو خمسين ألف معلم , وثلاث جامعات , ونحو مليون ومائتين وخمسين ألف وحدة سكنية سنويًّا , ناهيك عنالخدمات الصحية والبنية التحتية وتوفير فرص العمل , وهو ما يعني أننا في حاجة إلى بناء دولة كاملة سنويًّا , إضافة إلى تحسين المرافق والخدمات الحالية , وهو ما لا تقوى عليه أي دولة في العالم .

    ونؤكد أن مجال الفتوى في موضوع تنظيم النسل والعملية الإنجابية يجب أن يتجاوز في حالتنا المصرية الراهنة القول بالحل إلى الحكم بالضرورة , فهو بالفعل ضرورة ملحة .

     ونؤكد أن تصحيح المفاهيم الخاطئة فيما يتصل بالقضاياالسكانية يدخل في صميم تجديد وتصويب الخطاب الديني وتصحيحمساره , وهذا نبينا (صلى الله عليه وسلم) يقول : يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ،وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ (متفق عليه) , فاشترط(صلى الله عليه وسلم) الباءة التي تشمل القدرة على الإنفاق وتحمل تبعات بناء الأسرة كشرط للزواج , ومن باب أولى فهي شرط للإنجاب , فما بالكم بالإنجاب المتعدد ؟! ألم يقل النبي (صلى الله عليه وسلم) : كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يقوت.

      وحيث يقول نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) : تناكحوا تكاثروافإني مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة , يتوجه المعنى إلى الكثرة النافعةالمنتجة القوية التي يقول فيها سيدنا رسول الله ( صلى الله عليهوسلم) : المؤمن القوي خير وأحب إلى اللهعز وجلمن المؤمنالضعيف ، وهذه القوة التي تشمل سائر جوانب القوة : في الفكر , والثقافة , والمستوى الإيماني ، والتعليمي , والاقتصادي , والعسكري, مع الإخلاص للهعز وجل –  في القول والعمل , هي مناط وموضعالمباهاة .

    أما الكثرة التي تورث الضعف , أو الجهل , أو التخلف عن ركب الحضارة , والتي تكون عبئًا ثقيلا لا تحتمله ولا يمكن أن تحتمله أو تفي بمتطلباته موارد الدولة وإمكاناتها , فهي الكثرة التي وصفها نبينا (صلى الله عليه وسلم) بأنها كثرة كغثاء السيل , لا غناء منها ولا نفع فيها , فهي كثرة تضر ولا تنفع.

    وهذا كله إضافة إلى حقوق الطفل في الرعاية والإرضاع ، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ، وهذا الإرضاع حق للطفل ، لدرجة أن بعض الفقهاء أطلقوا علىاللبن الذي يرضعه الطفل من أم حامل لبن الغِيْلَة ، وكأن أحد الطفليناغتال حق أخيه أو أن كلا منها قد اغتال جزءًا من حق أخيه.

    وكذلك حقه في التربية السوية ، وفي المطعم والملبس والصحةوالتعليم ، أما التقصير في حق الأبناء، وعدم الوفاء بواجباتهم فيالتربية فيعدُ ظلمًا لهم ، والنبي (صلى الله عليه وسلم ) يوضح لنا أننامسئولون عن أبنائنا الذين هم أمانة في أعناقنا ، فيقول ( صلى اللهعليه وسلم ) : ( كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يعول ) ، ويقول (صلىالله عليه وسلم ) : كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، الرجل راع فيبيته ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيتها ومسئولة عن رعيتها .

      ولا يجب أن يقتصر تناولنا لهذه القضية على الجوانب الاقتصاديةإنما يجب أن يبرز إلى جانب هذه الآثار الاقتصادية كل الآثارالصحية والنفسية والأسرية والمجتمعية التي يمكن أن تنعكس علىحياة الأطفال والأبوين والأسرة كلها , ثم المجتمع , فالدولة , فالزيادةالسكانية غير المنضبطة لا ينعكس أثرها على الفرد أو الأسرة فحسب, إنما قد تشكل ضررًا بالغا للدول التي لا تأخذ بأسباب العلم فيمعالجة قضاياها السكانية , مع تأكيدنا أن السعة والضيق في هذه القضية لا تقاس بمقاييس الأفراد بمعزل عن أحوال الدول وإمكاناتها العامة.

على أن الأحكام في هذه القضية يجب أن تراعى طبيعة الزمانوالمكان والحال وظروف كل دولة أو مجتمع على حدة ، فلا نطلقأحكامًا عامة ، ففي الوقت الذي تحتاج فيه بعض الدول إلى أيدٍ عاملةولديها من فرص العمل ومن المقومات والإمكانات وامتداد المساحة وسعة الموارد يكون الإنجاب مطلبًا ، وتكون الكثرة كثرة نافعة ومدعاةللتفاخر والمباهاة ، أما في الظروف الاستثنائية التي تمر بها بعضالدول في ظل ظروف لا تمكنها من توفير المقومات الأساسية منالصحة والتعليم والبنى التحتية في حالة الكثرة غير المنضبطة، وبمايؤدي إلى أن تكون  كثرة كغثاء السيل ، فإن أي عاقل يدرك أنه إذاتعارض الكيف والكم فإن العبرة والمباهاة الحقيقية تكون بالكيف لابالكم , وهنا تكون القلة القوية خيرًا ألف مرة ومرة من الكثرة الضعيفة.

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى