:أهم الأخبارمقالات

تواضــع العلمـــاء

       التواضع خلق حميد ، والكبر خلق ذميم ، حتى سئل بعضهم عن السيئة لا تنفع معها حسنة فقال : الكبر ، ورأى سيدنا عبد الله بن عمر بن الخطاب (رضي الله عنهما) رجلاً يمشي مختالاً في مشيته ، فقال : إن للشياطين إخوانًا وكررها مرتين أو ثلاثًا” , ويقول الحق سبحانه : ” وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا  ” (الإسراء : 37) , وعن أبي هُريرة (رضي الله عنه) أَنَّ رسولَ اللَّه (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: “مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ” (رواه مسلم) , وعَنْ حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ الخُزَاعِيِّ (رضي الله عنه)، عَنِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ” : أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الجَنَّةِ؟ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِِّفٍ ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ. أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ ؟ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ” (رواه مسلم) , وقد حذر النبي (صلى الله عليه وسلم) من الكبر فقال : ” لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ، قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا، وَنَعْلُهُ حَسَنَةً، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ” (صحيح مسلم) .

     والتواضع صفة من الصفات المحمودة ، وسبيل إلى نيل رضا الله (عز وجل) ، وقد مدح الله تعالى عباده المتواضعين فقال تعالى : “وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ” (الفرقان : 63) ، وقال (صلى الله عليه وسلم) : “إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إلى أَنْ تَوَاضَعُوا؛ حَتَّى لَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ وَلَا يَبْغِ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ”  (رواه مسلم) , وكان سيدنا أبو بكر الصديق (رضي الله عنه يقول : وجدنا الكرم في التقوى والغنى في اليقين والشرف في التواضع ، وكانت السيدة عائشة (رضي الله عنها) تقول : تغفلون عن أفضل العبادة : التواضع  ، وسئل الفضيل بن عياض عن التواضع فقال : أن تخضع للحق وتنقاد له ، ولو سمعته من صبي قبلته منه ، ولو سمعته من أجهل الناس قبلته منه ، وقال عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) : مَنْ تواضع لله تَخَشُّعًا ، رَفَعَهُ الله يوم القيامة، ومن تَطاوَل تَعَظُّمًا ، وَضَعَهُ الله يوم القيامة , وكان عروة بن الورد يقول : التواضع أحد مصايد الشرف , وكل نعمة محسود عليها صاحبها إلا التواضع.

     وإذا كان التواضع محمودًا من جميع الخلق فإنه من أهل العلم والشرف والجاه أحمد وأعظم , على أن أهل العلم يدركون أن العلم نعمة ومنة وفضل من الله سبحانه , حيث يقول سبحانه : “يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ” , وأن العلم لا يستقيم مع الكبر , ولا يؤتي مع المعصية , إنما يزداد بالتقوى , حيث يقول الحق سبحانه: ” وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ” , وقد قالوا من عمل بما علم علمه الله علم ما لم يكن يعلم , فالعمل شرط لتحقق العلم الرباني اللَّدُنِّي , حيث يقول الحق سبحانه في شأن العبد الصالح في سورة الكهف : ” فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا” , ويقول سبحانه : ” فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ” , ويقول سبحانه في حق سيدنا يحيى (عليه السلام) : ” يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا ” , ويقول سبحانه : ” وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا” , ويقول سبحانه على لسان الملائكة : ” سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا”.

      والعالم للسائل والمستفتي كالطبيب للمريض لا بد أن يحنو عليه , وأن يأخذ بيده إلى سبيل الرشاد , وهذا الإمام الشافعي يضرب لنا الأنموذج في الحكمة والتواضع , فيقول : رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب , ويقول :

أُحِبُّ الصالِحينَ وَلَستُ مِنهُم

لَعَلّـي أَن أَنـــالَ بِهِــم شَفاعَــه

وَأَكـرَهُ مَن تِجارَتُــهُ المَعاصي

وَلَــو كُنّــا سَـواءً فـي البِضاعَـه

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى