:أهم الأخبارمقالات

القراءة المقاصدية

   هناك من يقفون عند ظواهر النصوص لا يتجاوزون الظاهر الحرفي منها إلى فهم مقاصدها ومراميها ، فيقعون في العنت والمشقة على أنفسهم ، وعلى من يحاولون حملهم على هذا الفهم المتحجر ، دون أن يقفوا على فقه مقاصد السنة ، بما تحمله من وجوه يسر وعظمة ديننا الحنيف ، والذي لو أحسنا فهمه وعرضه على الناس لغيرنا تلك الصورة السلبية التي سببتها أو سوقتها الأفهام والتفسيرات الخاطئة للجماعات الإرهابية والمتطرفة والمتشددة ، ورؤى أصحاب الأفهام السقيمة الجامدة المتحجرة على حد سواء.

    ورحم الله الحسن البصري حين قال : إنّ قوما طلبوا العبادة وتركوا العلم حتّى خرجوا بأسيافهم على أمّة محمّد (صلّى الله عليه وسلّم)، ولو طلبوا العلم لم يدلّهم على ما فعلوا ، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ حُدَثَاءُ الْأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ “.

    وإذا أردنا أن نأخذ بعض الأمثلة اليسيرة للفهم المقاصدي ، فلنأخذ مثالا لذلك قوله (صلى الله عليه وسلم) : ” إِذَا أَوَى أَحَدُكُمْ إِلَى فِرَاشِهِ فَلْيَنْفُضْ فِرَاشَهُ بِدَاخِلَةِ إِزَارِهِ ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَا خَلَفَهُ عَلَيْهِ ، ثُمَّ يَقُولُ : بِاسْمِكَ رَبِّ وَضَعْتُ جَنْبِي ، وَبِكَ أَرْفَعُهُ ، إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَارْحَمْهَا ، وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ” ، والمراد بـــ (دَاخِلَة الْإِزَار ) : طَرَفه ، فيُسْتَحَبّ أَنْ يَنْفُض الإنسان فِرَاشه قَبْل أَنْ يَدْخُل فِيهِ بطرف ثوبه لِئَلَّا يَحْصُل فِي يَده مَكْرُوه . ” ، فلو وقفنا عند ظاهر النص فماذا يصنع من يلبس ثوبًا يصعب الأخذ بطرفه وإماطة الأذى عن مكان النوم به كأن يرتدي لباسًا عصريًّا لا يمكنه من ذلك .

    ولو أخذنا بالمقصد الأسمي وهو تنظيف مكان النوم والتأكد من خلوه مما يمكن أن يسبب للإنسان أي أذى من حشرة أو نحوها ، لتأكدنا أن الإنسان يمكن أن يفعل ذلك بأي آلة تحقق المقصد وتفي بالغرض ، فالعبرة ليست بإمساك طرف الثوب ، وإنما بما يتحقق به نظافة المكان والتأكد من خلوه مما يمكن أن يسبب الأذى ، بل إن ذلك قد يتحقق بمنفضة أو نحوها أكثر مما يتحقق بطرف الثوب ، لكن النبي (صلى الله عليه وسلم) خاطب قومه بما هو من عاداتهم وبما هو متيسر في أيامهم حتى لا يشق عليهم في ضوء حياتهم البسيطة .

     فمن شابهت حياته حياتهم فلا حرج عليه إن أخذ بظاهر النص ، غير أن محاولة حمل الناس جميعًا مع كل ألوان  تطور الحياة العصرية على الأخذ بظاهر النص ظلم كبير في فهم مقصده .

    ومن أمثلة الفهم المقاصدي كذلك ما يتصل باستخدام السواك الذي تحدث عنه الفقهاء فقالوا في حكمته : مطهرة للفم ، ومرضاة للرب ، وإصابة للسنة ، حيث يقول النبي (صلى الله عليه وسلم) : ” لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي أَوْ عَلَى النَّاسِ لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلَاةٍ ”  , وفي رواية : “لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء” ، والقصد من السواك طهارة الفم والحفاظ على رائحته الطيبة ، وإزالة أي آثار لأي رائحة كريهة مع حماية الأسنان وتقوية اللثة ، وهذا المقصد كما يتحقق بعود السواك المأخوذ من شجر الأراك يتحقق بكل ما يحقق هذه الغاية ، فلا حرج مِن فعل ذلك بعود الأراك أو غيره كالمعجون وفرشاة الأسنان ، أما أن نتمسك بظاهر النص ونحصر الأمر حصرًا ونقصره قصرًا على عود السواك ، ونجعل من هذا العود علامة للتقى والصلاح بوضع عود أو عودين أو ثلاثة منه في الجيب الأصغر الأعلى للثوب مع تعرضه للغبار والأتربة والتأثيرات الجوية ونظن أننا بذلك فقط دون سواه إنما نصيب عين السنة , ومن يقوم بغير ذلك غير مستنٍّ بها , فهذا عين الجمود والتحجر لمن يجمد عند ظاهر النص دون فهم أبعاده ومقاصده ، لذا فنحن في حاجة إلى قراءة مقاصدية عصرية للسنة النبوية ، تتواكب مع روح العصر ومستجداته ، وتقرب السنة النبوية العظيمة إلى الناس بدلاً من الأفهام السقيمة التي تنفر الناس من السنة ولا تقربهم منها.

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى