:أهم الأخبارمقالات

في رحاب سورة مريم عليها السلام (1)

      السيدة مريم عليها السلام هي المرأة الوحيدة التي ذكرت باسمها صريحًا في القرآن الكريم ، فقد ورد اسمها صريحًا في أكثر من ثلاثين مرة ، وزيادة في إكرامها وبيان فضلها ، اختصها القرآن الكريم بسورة خاصة باسمها هي سورة مريم ( عليها السلام ) وقد افتتحت السورة بالحديث عن سيدنا زكريا عليه السلام .

        وعندما ننظر في العلاقة بين قصة سيدنا  زكريا وقصة السيدة مريم ( عليهما السلام ) نجد أن الصلة وثيقة ، فقد كانت السيدة مريم ( عليها السلام ) في كفالة ورعاية سيدنا  زكريا ( عليه السلام)، حيث يقول الحق سبحانه : ” وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ” ، يقول المفسرون وأهل العلم : كان زكريا (عليه السلام) يدخل عليها فيجد عندها الرزق في غير أوانه ، فيجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف ، وفاكهة الصيف في الشتاء ، وهو ما كان يدعوه (عليه السلام) إلى السؤال ” أَنَّى لَكِ هَـذَا ” ، فتجيبه (عليها السلام) في صراحة ووضوح تامَّين ” هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ” ، وهو ما دعا سيدنا زكريا ( عليه السلام ) أن يلجأ إلى الله ( عز وجل ) بالدعاء الخفي أن يرزقه الولد ، واستجاب له ربه ” يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًا ” .

    ولم يقف الأمر عند حدود البشرى ، بل تجاوزها إلى الاسم الذي لم يُسم به أحد من قبل ، أو لم يكن له شبيه من أهل زمانه في الحكمة والفضل ، فقد آتاه الله الحكم صبيًّا وجعله برًّا بوالديه ، ولم يجعله جبارًا عصيًّا ، وعندما استفهم سيدنا زكريا (عليه السلام) ” أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا ” كان الجواب الإلهي ” قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً ” .

       وليس ذلك ببعيد عن حال مريم ( عليها السلام ) التي بشرها الروح القدس جبريل (عليه السلام)  بالولد ، ” قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا ” فقالت في دهشة واستغراب لا يَقَّلاِنِ بل يزيدان عن دهشة وتعجب زكريا ( عليه السلام ) : ” أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا ” ، وهنا كان الجواب عين الجواب الذي أجيب به  زكريا ( عليه السلام ) : ” قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ” غير أن العبرة هنا أشد لمن يعتبر ” وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً ” فإذا كان رزق الله للإنسان الولد على تقدم سنه ووهن عظمه وكون امرأته عقيمًا أمرًا عجيبًا في دنيا الناس ومقاييسهم البشرية ، فإنه ليس أعجب من خلق الولد بلا أب أصلا ، على أن الجمع بين القصتين هنا يحمل لنا معاني وقف عندها بعض أهل العلم فقالوا : إن الله (عز وجل) يبين لنا جانبًا من دلائل وعظمة قدرته ، فقد خلق آدم ( عليه السلام  ) بلا أب ولا أم، وخلق حواء بلا أم ، وخلق عيسى ( عليه السلام ) بلا أب ، وخلق سائر البشر من أب وأم ، ورزق بعضهم الولد بعد اليأس منه ، وكأنه سبحانه يعلمنا ويذكرنا بقدرته على الخلق بأسباب وبلا أسباب ” يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ” ، ” إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ” .

       وكما تحدث القرآن الكريم عن سيدنا يحيى بن زكريا (عليهما السلام) فوصفه بكونه برًّا بوالديه ، وليس بجبار ولا عصي ، فقال سبحانه : ” وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا * وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا ” نجد المعاني نفسها تسبغ على نبي الله عيسى بن مريم  (عليهما السلام ) حيث يقول الحق سبحانه وتعالى على لسانه ( عليه السلام) : ” وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا * وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ” فالمنبع واحد ، والمشرب واحد ، وصدق نبينا (صلى الله عليه وسلم) حيث يقول : “الأنبياء أخوة لعلات أمهاتهم شتى ودينهم واحد ” .

                                                                                                                       وللحديث بقية

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى