:أهم الأخبارمقالات
التوبة النصـوح
التوبة هي ترك الذنب ، والندم عليه ، والعزم على عدم العود إليه ، واستدراك ما أمكن من أداء الحقوق .
والتوبة التامة هي التي تجمع بين ترك القبيح وتحري الجميل ، أما النصوح فهي التي تصل بحال القلب إلى كره المعصية ، فلا تخطر للإنسان على بال من شدة كرهه لها، ولا ترد له على خاطر أصلا ، وإن عرض له منها عارض نفر منها نفور الفارِّ من النار.
وقال بعضهم : يقال لمن خاف العقاب صاحب توبة ، ولمن يتوب طمعًا في الثواب صاحب إنابة ، ولمن يتوب لمحض مراعاة أمر الله صاحب أوبة ، والأوبة هي صفة الأنبياء والمرسلين وعباد الله المخلصين ، حيث يقول الحق سبحانه عن سيدنا أيوب عليه السلام : ” إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ “.
على أننا نؤكد على أمور :
- أن التوبة النصوح لا تكون فقط بالإقلاع عن المعاصي أو العزم على عدم العودة إلى ارتكابها ، إنما تكون أيضًا بالندم على ما كان من تقصير في الفرائض والطاعات ، والعمل على استدراك ما أمكن من ذلك ، كصلاة الفوائت ، وقضاء الصيام ونحو ذلك ، مع الاجتهاد في النوافل من باب قوله تعالى:” إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ” ، وقد قال بعض أهل العلم : إن التوبة من ترك المأمور أولى من التوبة من فعل المحظور ، لغفلة الناس غالبًا عن النوع الأول واستحضارهم الدائم للنوع الثاني .
- أن حقوق العباد لا تسقط بمجرد الندم والاستغفار ، إنما لا بد فيها من الاجتهاد في رد حقوق العباد ، فقد حذرنا النبي (صلى الله عليه وسلم) من أخذ حقوق العباد بدون حق ، وقال (صلى الله عليه وسلم) : ” من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه ” ، وقال (صلى الله عليه وسلم) : ” لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة ، حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء تنطحها “.
- أن التوبة الصادقة النصوح تورث محبة الله (عزّ وجلّ) حيث يقول الحق سبحانه في كتابه العزيز : “ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ” ، وهي سبيل تكفير الذنوب ، حيث يقول سبحانه : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ” ، وبالتوبة النصوح يبدل الله سيئات العبد التائب إلى حسنات ، حيث يقول الحق سبحانه : “ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا “.
- أن الله (عز وجل) قـد فتـح بـاب التـوبة واسعًـا أمام عبـاده فقـال سبحانه : “ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ” ، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” إن الله عز وجليبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها ” ، وعن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) : ” لله أفرح بتوبة عبده من رجل نزل منزلا وبه مهلكة ، ومعه راحلته عليها طعامه وشرابه ، فوضع رأسه فنام نومة ، فاستيقظ وقد ذهبت راحلته ، حتّى اشتدّ عليه الحرّ والعطش، أو ما شاء الله ، قال : أرجع إلى مكاني ، فرجع فنام نومة ثمّ رفع رأسه فإذا راحلته عنده “.
- أن التوبة تفتح باب الخير في الدنيا والآخرة ، حيث يقول سبحانه وتعالى على لسان سيدنا نوح (عليه السلام) : ” فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا “.
- أن التوبة إنما هي تَعبُّدٌ وقربة إلى الله (عز وجل) وإن لم تسبق أو تقترن بذنب ، فهي زيادة تقرب وخضوع وتذلل لله (عز وجل) ، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : “والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مرة “.