الاستعلاء في الأرض
العظمة والكبرياء لله وحده ، وفي الحديث القدسي: يَقُولُ الحق سُبْحَانَهُ: ” الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي , وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي , مَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا أَلْقَيْتُهُ فِي جَهَنَّمَ” (سنن أبي داود).
فقَصْمُ الجبارين والمتجبرين سنة كونية سواء أكانوا أفرادًا أم أممًا ، فقارون عندما استعلى بماله قصمه الله وخسف به وبداره وبماله الأرض ، حيث يقول الحق سبحانه في كتابه العزيز : “ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآَتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ “.
وقوم عاد لما عتوا عن أمر ربهم وغرتهم قوتهم وقالوا : من أشد منا قوة، أخذهم الله (عز وجل) بريح صرصر في أيام نحسات ، فقطع دابرهم أجمعين ، حيث يقول الحق سبحانه : “فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ”.
والكبر والاستعلاء من أخص صفات إبليس الذي أبى واستكبر وكان من الكافرين ، وقال معاندًا رب العزة (عز وجل) عندما أمره بالسجود لآدم : ” أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا ” ، وقال كما حكى القرآن الكريم على لسانه :” أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ” ، ونسي أن ما فاخر به لو كان سبيلا للتفاخر فإنه محض مِنّة مِمن أمره بالسجود ، فهو الذي خلقه من نار وخلق آدم من طين.
والكبر قد يكون بالجاه والسلطان والنفـوذ ، وقـد يكون بالمـال ، وقـد يكون بالعلم ، وقد يكون بالجمال ، وقد يكون بالأحساب والأنساب ، وكله مذموم ممقوت ، إذ لا فضل لعربي على أعجمي ، ولا أحمر على أسود إلا بالتقوى ، وإن أكرم الناس عند الله أتقاهم، وإن الله (عز وجل) لا ينظر إلى صورنا ولا إلى أموالنا ، إنما ينظر إلى قلوبنا ، وجزاء الكبر الكبُّ في جهنم ولبئس المصير ، يقول الحق سبحانه :” فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ” ، فكما أن الصالحين تفتح لهم أبواب الجنة جميعًا ، فإن المتكبرين يتقلبون في أبواب جهنم ، لأن الله (عز وجل) يقول : “ادخلوا أبواب جهنم” ولم يقل سبحانه : ادخلوا باب جهنم .
ويقول سبحانه : ” وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ ” ، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر “.
وعن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلّم) قال: ” بينما رجل يتبختر ، يمشي في برديه قد أعجبته نفسه فخسف الله به الأرض ، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة” ، وعن سلمة بن الأكوع (رضي الله عنه) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : ” لا يزال الرجل يذهب بنفسه (أي يترفع ويتكبر) حتى يكتب في الجبارين فيصيبه ما أصابهم ” ، وعن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) قال: ” من تواضع لله تخشعا رفعه الله يوم القيامة ، ومن تطاول تعظما وضعه الله يوم القيامة ” ، وعن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) أنه رأى رجلا يختال في مشيته ويجر إزاره ، فقال : “إن للشّيطان إخوانا “.
وقال الأحنف بن قيس: ” عجبا لابن آدم يتكبّر وقد خرج من مجرى البول مرّتين ” ، وقال وهب بن منبّه : ” لمّا خلق الله جنّة عدن نظر إليها فقال: أنت حرامٌ على كلّ متكبّر ” ، وعن عبد الله بن هبيرة أنّ سلمان سُئل عن السّيّئة الّتي لا تنفع معها حسنة؟ قال: ” الكبر” ، وقال أحد العلماء : “التّواضع في الخَلق كلّهم حسن وفي الأغنياء أحسن ، والتّكبّر في الخَلق كلّهم قبيح وفي الفقراء أقبح ” .