الشباب عماد الأمم
لا ينكر أحد دور الشباب في بناء الأمم ونهضتها ورقيها , فهم عماد أي أمة وأي نهضة , وقد أولى ديننا الحنيف مرحلة الشباب عناية خاصة , حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” لَا تَزُولُ قَدمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ: عَنْ عُمُرُهِ فِيمَا أَفْنَاهُ؟ وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ؟ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ؟ وَعَنْ علِمهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ؟ ” , فَذِكْرُ السؤال عن مرحلة الشباب بعد السؤال عن مجمل العمر يأتي من باب ذكر الخاص بعد العام تأكيد على أهمية هذه المرحلة شديدة الحيوية والأهمية من العمر , وأن على الإنسان أن يستفيد بها , ولا يتركها حتى تذهب هباء , فيندم حين لا ينفع الندم .
ولأهمية دور الشباب في بناء المجتمع جعل نبينا (صلى الله عليه وسلم) منزلة الشباب المستقيم ، الذي يخدم دينه ووطنه في منزلة تالية لمنزلة الإمام العادل في السبعة الذين يظلهم الله (عز وجل) في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله , حيث يقول (صلى الله عليه وسلم) : “سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّه، يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: الإِمَامُ العَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ، أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ ” .
ويذكر لنا التاريخ نماذج رائعة من الشباب الذين سجلوا أسماءهم بحروف من نور في سجل الخالدين وهم في ريعان شبابهم , من هؤلاء سيدنا أسامة بن زيد الذي أمرّه سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في غزوة مؤتة وهو في السابعة عشرة من عمره .
وممن نبغوا في ريعان شبابهم سيدنا عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) , وكان سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) يجلسه في مجلس شورى كبار الصحابة , ويقول : “إِنَّ لَهُ لِسَانًا سَؤولا، وَقَلْبًا عَقُولا” , ومنهم سيدنا معاذ بن جبل (رضي الله عنه) الذي ولاه سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على اليمن وهو في ريعان شبابه , ولما سأله (صلى الله عليه وسلم) ” كَيْفَ تَقْضِي إِذَا عَرَضَ لَكَ قَضَاءٌ؟ ” ، قَالَ : أَقْضِي بِكِتَابِ اللَّهِ . قَالَ : ” فَإِنْ لَمْ تَجِدْهُ في كِتَابِ اللَّهِ؟ ” . قَالَ : أَقْضِي بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم-. قَالَ : ” فَإِنْ لَمْ تَجِدْهُ في سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ “. قَالَ: أَجْتَهِدُ رأيي لاَ آلُو . قَالَ : فَضَرَبَ بِيَدِهِ في صدري وَقَالَ : ” الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِى وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ لِمَا يُرْضِي رَسُولَ اللَّهِ”, وكان (صلى الله عليه وسلم) يقول عنه : ” أعلمُ أمّتي بالحلالِ والحرام مُعاذ بن جبلٍ” , وكان سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) يقول : “عجزت الأمهات أن يلدن مثل معاذ” , وقد مات معاذ دون الأربعين ، قيل : في الثالثة والثلاثين ، وقيل : في الثامنة والثلاثين ، وتوفي خامس الخلفاء الراشدين سيدنا عمر بن عبد العزيز (رحمه الله) في الأربعين من عمره.
ومن أعلام العرب الذين وضعوا بصمة كبيرة في تاريخ الإنسانية وهم في ريعان شبابهم ابن العشرين طرفة بن العبد ، أحد كبار شعراء العربية , وأحد شعراء المعلقات السبعة , وقد قالوا : أفضل الناس واحدة طرفة بن العبد , وقد مات في السادسة والعشرين .
ومن أبرز الشباب الذين تركوا بصمة كبيرة في التاريخ محمد بن القاسم الثقفي ابن عم الحجاج بن يوسف الثقفي الذي تولى قيادة الجيوش في الخامسة عشرة من عمره , وكان أحد أبرز القادة في العصر الأموي , وصاحب أكبر فتوحات وانتصارات في بلاد السند .
وتوفى الأديب العباسي الكبير عبد الله بن المقفع صاحب كليلة ودمنة , والأدب الكبير , والأدب الصغير ، في السادسة والثلاثين , وتوفى شاعر بني حمدان وفارسها أبو فراس الحمداني ابن عمر سيف الدولة الحمداني عن سبعة وثلاثين عاما .
وتوفى شاعر العربية وأديبها الكبير أبو تمام الطائي عن أربعين سنة , كما توفى الإمام الفقيه عالم عصره ومصره في الحديث والفقه يحيى بن شرف النووي عن خمسة وأربعين عامًا .
على أن الذي نؤكد عليه هو أن العلاقة بين الشباب والشيوخ ليست علاقة صراع ولا إقصاء إنما هي علاقة تكامل وتضافر جهود , فنحن في حاجة إلى طاقة الشباب حاجتنا إلى خبرة الشيوخ , وفي حاجة إلى خبرة الشيوخ حاجتنا لطاقة الشباب وحماسهم.
كما أننا في حاجة إلى أن نعطي الشباب فرصتهم وأن نعنى بهم تأهيلا وتدريبًا وتثقيفًا وهو ما تقوم به الدولة المصرية في ظل القيادة الحكيمة للسيد الرئيس / عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية من خلال إيمانه بالشباب وعنايته بهم ورعايته لهم ، من خلال استراتيجية ثابتة تقوم على محاور متعددة , منها الدفع بهم في مجال القيادة في مختلف المجالات , ومنها : مؤتمرات ومعسكرات الشباب , ومعهد إعداد القادة , والبرنامج الرئاسي للشباب ، والأكاديمية الوطنية للتدريب ، وغير ذلك من البرامج والمجالات .