:أهم الأخبارمقالات

حماية الوطن فرض عين

     فرض العين هو ما يتعين على كل شخص القيام به بنفسه لا ينوب عنه فيه أحد كالصلاة والصيام والحج على المستطيع , على أن حصر فرض العين في قضايا التعبد يُعد اعتسافا فكريًّا , وإخراجًا لمفهوم فرض العين عن مساره الشرعي , فإن من أوضح الأمثلة التي تربينا عليها أيام الطلب والتعلم منذ سنوات تعلمنا الأولى في المرحلتين الإعدادية والثانوية وما تبعهما من مراحل تعليمية , أن حماية الأوطان لا تخرج عن كونها فرض كفاية أو فرض عين , فعندما تكون الدولة آمنة مستقرة لا تتعرض لأي خطر أو عدوان أو اعتداء أو تهديد أو إرهاب يكون الدفاع عن الوطن فرض كفاية إذا قام به بعض أبناء الوطن “متمثلين في جيشه وشرطته” سقط الإثم عن الباقين , ووجب على المجتمع دعم حماته من أبناء جيشه وشرطته بما يحتاجون من عدد وعتاد ودعم مالي أو معنوي .

     أما إذا تعرض الوطن أو الدولة لأي خطر يتهددها , أو يهدد أمنها أو استقرارها أو مصالحها , سواء أكان عدوانا , أم تآمرًا , أم تهديدًا , أم إرهابًا , أم إجرامًا , صار الدفاع عن الدولة فرض عين على أبنائها جميعًا , كل فيما يكلف به في إطار التنظيم القانوني والإداري للدولة , فمن استدعى أو طلب للمشاركة في القتال أو الدفاع والمواجهة أسرع إلى التلبية ، وكان جميع أبناء الوطن على أتم استعداد للتضحية في سبيل وطنهم , بل إنهم يتمنون الشهادة في سبيله , وجزاؤهم في ذلك عظيم , حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : “مَنْ سألَ اللَّهَ تَعالى الشَّهادَة بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ تَعالى مَنازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإنْ ماتَ على فِرَاشِهِ” (رواه مسلم) , فما بالكم بمن باع نفسه حقيقة لله (عز وجل) ولقى الشهادة في سبيله , ألا يكفيهم قوله تعالى : ” إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ” , وعن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قال : لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَقَالَ لِي : ” يَا جَابِرُ مَا لِي أَرَاكَ مُنْكَسِرًا ؟ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتُشْهِدَ أَبِي قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ عِيَالًا وَدَيْنًا , قَالَ : أَفَلَا أُبَشِّرُكَ بِمَا لَقِيَ اللَّهُ بِهِ أَبَاكَ ؟ قَالَ : قُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ , قَالَ : مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَدًا قَطُّ إِلَّا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ وَأَحْيَا أَبَاكَ فَكَلَّمَهُ كِفَاحًا , فَقَالَ يَا عَبْدِي تَمَنَّ عَلَيَّ أُعْطِكَ , قَالَ يَا رَبِّ تُحْيِينِي فَأُقْتَلَ فِيكَ ثَانِيَةً قَالَ الرَّبُّ (عَزَّ وَجَلَّ) إِنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنِّي أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لَا يُرْجَعُونَ قَالَ وَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ” وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا”.

           وعن أَنَس بْن مَالِكٍ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِىِّ (صلى الله عليه وسلم) قَالَ : (مَا مِنْ أَحَدٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا وَأَنَّ لَهُ مَا عَلَى الأَرْضِ مِنْ شَىْءٍ غَيْرُ الشَّهِيدِ فَإِنَّهُ يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ لِمَا يَرَى مِنَ الْكَرَامَةِ ) (رواه مسلم) ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : ” لَغَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا” (رواه البخاري).

     إن فرض العين وواجب الوقت يقتضيان أن يكون كل مواطن جنديا حيث يطلبه الوطن , وجنديا دائما في مكانه وميدانه , الطبيب جندي في مشفاه أو عيادته , والمعلم جندي في مدرسته أو جامعته , والإمام جندي في مسجده أو محرابه , والعامل والصانع والزارع , والتاجر , والطالب والمبرمج , والكاتب , والإعلامي , كلٌّ جندي مخلص في خدمة وطنه من موقعه ومجاله وميدانه.

     وواجب الوقت يقتضي زيادة الإنتاج , وترشيد الاستهلاك , وهو أمر لا غنى عنه لعبور الأوقات الصعبة نحو بناء مستقبل أفضل ودولة قوية فتية , وتحقيق العزة والكرامة بالاعتماد على الذات لا الغير , بل وبالقدرة على مساعدة الآخرين لا الحاجة إليهم , وهذا ما كان من سيدنا يوسف (عليه السلام) حين وفقه الله (عز وجل) لتحويل المحنة والأزمة إلى منحة كبيرة والخروج بالوطن إلى بر الأمان , وذلك حيث يقول الحق سبحانه على لسان سيدنا يوسف (عليه السلام) : “قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ”.

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى