وزير الأوقاف يكتب عن: أكلة السحت
يقول الحق سبحانه : “وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ” ، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” لا يدخلُ الجنةَ لحمٌ نبتَ من سحتٍ ، وكلُّ لحمٍ نبتَ من سحتٍ فالنارُ أولى به ” ، ولما دخل سيدنا عبد الله بن عمر بن الخطاب على سيدنا عبد الله بن عامرالحضرمي في مرض موته ، قال له سيدنا عبد الله بن عامر ألا تدعو الله لنا يا ابن عمر ، فقال ابن عمر (رضي الله عنهما) : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول : ” لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ ، وَلَا صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ ” ، والمراد أخشى أن يكون قد أصابك شيء من غلول فلا ينفعك دعاء ولا غيره .
فقد حرم الإسلام أكل المال الحرام أيًّا كان نوعه ، وشدد في ذلك تشديدًا كبيرًا ، حيث يقول الحق سبحانه : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ” ، ويقول الحق سبحانه : ” إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ” ، ويقول سبحانه : ” وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ” ، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لاَ يُبَالِي الْمَرْءُ مَا أَخَذَ مِنْهُ أَمِنَ الْحَلاَلِ أَمْ مِنْ الْحَرَامِ” ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : ” إِنَّ رِجَالاً يخوضون فِى مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ” ، وعن وائل بن حجر (رضي الله عنه) قال : جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) فقال الحضرمي : يا رسول الله إن هذا غلبني على أرض كانت لأبي ، فقال الكندي : هي أرضي في يدي أزرعها ليس له فيها حق ، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) للحضرمي : ” ألك بينة ” قال : لا ، قال : ” فلك يمينه ” فقال : يا رسول الله إنه فاجر ليس يبالي ما حلف ليس يتورع من شيء ، فقال : ” ليس لك منه إلا ذلك” فلما ذهب الرجل ليحلف قال النبي (صلى الله عليه وسلم) : “أَمَا لَئِنْ حَلَفَ عَلَى مَالِهِ لِيَأْكُلَهُ ظُلْمًا ، لَيَلْقَيَنَّ اللَّهَ وَهُوَ عَنْهُ مُعْرِضٌ” ، وكان سيدنا عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) يقول في قوله تعالى : ” وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ ” : هذا في الرجل يكون عليه مال وليس عليه فيه بينة فيجحد المال ويخاصمهم إلى الحكام ، وهو يعرف أن الحق عليه ، وقد علم أنه آثم أكل حرامًا ، وكان نبينا (صلى الله عليه وسلم) يقول : ” إنما أنا بشرٌ مثلكم ، وإنكم تختصمون إليّ ، ولعل بعضكم يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له بنحو ما أسمع ، فمن قضيت له بحق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار ” ، وقد يتعوذ بعضنا من أكل السحت ظانًّا أنه غير واقع فيه وهو منغمس في أعماقه ، فالمال الناتج عن الغش سحت ، والمال الناشىء عن الاحتكار والاستغلال سحت ، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” مَنْ دَخَلَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَسْعَارِ الْمُسْلِمِينَ لِيُغَلِّيَهُ عَلَيْهِمْ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُقْعِدَهُ بِعُظْمٍ مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ” ، والمال الناشىء عن عدم الوفاء بحق العمل سحت ، والمال الناتج عن عدم وفاء العامل حقه سحت ، وفي الحديث القدسي : ” قَالَ اللَّهُ: ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ” ، ومن أكل السحت الذي لا ينتبه كثير من الناس إليه : عدم الوفاء بحق المال بكنزه والضن به وعدم إخراج زكاته ، حيث يقول الحق سبحانه : “وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ”.