وزير الأوقاف يكتب عن: أنواع النفاق وعلاماته
النفاق داء قتال , وله من جذره اللغوي نصيب , يقال : نفقت الدابة أو الطير إذا ماتت , فالنفاق موت للقلب , وموت للضمير , وموت للأخلاق , وموت للقيم , وموت للروح .
والنفاق نوعان : عقدي , وعملي , أما العقدي فهو أن يظهر الإنسان الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر خيره وشره حلوه ومره , ويبطن خلاف ذلك كله أو بعضه , ويسميه بعض العلماء النفاق الأكبر , وهو الذي يقول في شأن أصحابه رب العزة سبحانه : ” إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا” , لأن هؤلاء المنافقين كانوا أكثر شرًا وضررًا على الإسلام والمسلمين من الكفار والمشركين.
والنوع الثاني هو ما يعرف بالنفاق العملي , وقد عرفه ابن حجر (رحمه الله) بأنه إظهار العبادة لقصد رؤية الناس لها فيحمدوا صاحبها , ومنه تجويد العبادة في العلن مراءاة للناس , وقال عنه الإمام الغزالي (رحمه الله) : “هو طلب المنزلة في قلوب الناس بأن يريهم الخصال المحمودة من نفسه , ليحمدوه ” , فينال بذلك منزلة أو مكانة أو نفعًا أو ثناء , وهذا النوع من النفاق محبط للعمل مذهب بثوابه , ففي الحديث القدسي يقول رب العزة : ” أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ ” , وفي رواية أخرى : ” فَمَنْ عَمِلَ لِي عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي، فَأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ، وَهُوَ لِلَّذِي أَشْرَكَ” .
وللنفاق العملي علامات , من أهمها : الكذب في الحديث , وخلف الوعد والعهد , وخيانة الأمانة , والفجور في الخصومة , ففي الحديث النبوي : ” آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ : إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ” , ويقول (صلى الله عليه وسلم) : ” أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا ، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا ، إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ”.
ومن أخص علامات النفاق : الإفساد في الأرض , حيث يقول الحق سبحانه وتعالى : “وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ” , ومنها : الكسل عند أداء الطاعة والعبادة , ومراءاة الناس بها أو بتجويدها والتظاهر بإتقانها على عكس ما يكون في خلوته أو بعده عن الناس , حيث يقول الحق سبحانه : ” إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا” , ويقول سبحانه : ” وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ” , ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” إِيَّاكُمْ وَشِرْكَ السَّرَائِرِ ” قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا شِرْكُ السَّرَائِرِ ؟ قَالَ : ” يَقُومُ الرَّجُلُ فَيُصَلِّي فَيُزَيِّنُ صَلاتَهُ جَاهِدًا لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ النَّاسِ إِلَيْهِ ، فَذَلِكَ شِرْكُ السَّرَائِرِ” , وكان سيدنا عمر بن الخطاب يقول: من أبدى فوق ما في قلبه فهو منافق.
وقد توعد الحق سبحانه وتعالى المنافقين بالعذاب المقيم , فقال سبحانه : ” وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ” , بل إن النص القرآني قدم ذكر المنافقين والمنافقات على المشركين والمشركات في باب العذاب , فقال سبحانه : ” لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا” , ويقول سبحانه : ” وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا” .