عصر الكتاب الورقي
خلال زيارتي لمعرض الكتاب هذا العام 2018م أبهرني هذا الإقبال الكبير على معرض الكتاب المقام بأرض المعارض بالقاهرة ، وبخاصة من شريحة الشباب ، مما يؤكد أن روح الثقافة قد أخذت تسري من جديد في جنبات مجتمعنا ، وأننا بحق أمة اقرأ وسنظل بإذن الله تعالى ، وأن عصر الكتاب الورقي لم يأفل ولن يأفل ، وقديما قال العقاد: اقرأ كتاباً جيداً ثلاث مرات أنفع لك من أن تقرأ ثلاثة كتب .
الكتاب خير أنيس ، وخير جليس ، وخير صاحب ، فهو كما وصفه الجاحظ : نِعْم الذخر والعدة ، آمن مَنْ فـي الأرض ، وأكتم للسر من صاحب السر ، وأحفظ للوديعة من أرباب الوديعة ، ولا أعلم جاراً أبرَّ ، ولا خليطاً أنصف ، ولا رفيقاً أطوع، ولا معلماً أخضع، ولا صاحباً أظهر كفاية ولا عناية ، ولا أقل إملالاً وإبراماً ، ولا أبعد عن مراء ، ولا أترك لشغب ، ولا أزهد فـي جدال ، ولا أكف عن قتال من كتاب .
والكتاب هو الذي إن نظرت فيه أطال إمتاعك ، وشحذ طباعك، وبسط لسانك ، وجوَّد بيانك ، وفخَّم ألفاظك ، وعمَّر صدرك ، وحباك تعظيم الأقوام ، ومنحك صداقة الملوك ، يطيعك فـي الليل طاعته بالنهار، وفي السفر طاعته فـي الحضر .
وإذا كان هذا هو شأن الكتاب فإنه إلى جانب ذلك كله مفتاح الثقافة ، والثقافة أكبر ضمانة لتحصين عقول شبابنا من الفكر المتطرف ، واستقطابات المتطرفين ، وهو أحد أهم مكونات الشخصية السوية ، وجانب كبير من أسباب التطرف والغلو يرجع إلى ضيق الأفق الثقافي أو محدوديته لدى كثيرين ، وربما انسداده أو انغلاقه في بعض الأحايين ، وقد صارت أحادية البعد الثقافي ظاهرة تستحق المناقشة ، حيث يركز الباحث أو الدارس على علم أو فن بعينه يستغرقه فكريًا أو أكاديميًا ، ينحصر فيه دون سواه ، مما يخرج لنا جيلاً ربما نجد فيه عالما غير مثقف ، أو غير قادر على العمل الجماعي بروح الفريق أو التواصل المرن مع مجتمعه ، لعدم إلمامه بأدوات العصر واتجاهاته الثقافية والمعرفية ، وربما ينحرف بالمتحدث أو الكاتب إلى معالجة خاطئة لبعض القضايا ، أو ينجرف به إلى الصدام مع المتلقي مشاهدًا كان أو سامعًا أو قارئًا .
وفي تجربتي الشخصية اتخذت من الكتب وما زلت رفيقًا في الحضر والسفر ، في الحل والارتحال ، تجدها منثورة ومجتمعة في مكتبي وفي سائر جنبات المنزل لا تكاد تخلو غرفة أو صالة من كتاب أو مجموعة كتب ، وحتى في السيارة لا يمكن أن تخلو يومًا ما من كتاب أو مجموعة كتب ، وعلى متن الطائرة أو غيرها ترى الكتاب لا يكاد يفارقني ، فبيني وبين الكتاب حالة عشق خاصة ، وعلى الرغم من إفادتي الكبيرة من وسائل النشر الإلكتروني فإن الكتاب بالنسبة لي خير صديق وسيظل ، يطيب أن أخط فيها خطوطي ، وأن أعلق على بعض حواشيه ، وأن أسم بعلامات خاصة بعض صفحاته ، وأرى ما ينطبع في ذهني منه لا يكاد يمحوه الزمن ، فالفكرة ترتبط بكتابها ، عكس ما نتصفحه في الجانب الإلكتروني الذي يصعب رسمه في الذهن رسم صفحات الكتب بعلاماتها وحواشيها وأنواع خطوطها وحتى أغلفتها ودور نشرها .
وإنني لأرى أن الإنفاق على شراء الكتاب ضرب من ضروب الخير التي يجب أن يسخو فيها نفس الغني ، وأن يعان عليها طالب العلم الفقير .