:أهم الأخبارمقالات

قيمــة العـــدل

      العدل ميزان الله الذي وضعه للخلق , ونصيه للحق , فلا تخالفه في ميزانه , ولا تنازعه في سلطانه , وقد قالوا : إن الله (عز وجل) ينصر الدولة العادلة ولو كانت كافرة , ولا ينصر الدولة الظالمة ولو كانت مؤمنة , وأن الملك قد يدوم مع العدل والكفر , ولا يدوم مع الإسلام والظلم.

      والعدل اسم من أسماء الله الحسنى , فهو الحكم العدل , وقد حرم ربنا (عز وجل) الظلم على نفسه فقال في الحديث القدسي : “يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا”.

      وأرسل سبحانه وتعالى رسله جميعًا بالحق والعدل , حيث يقول سبحانه : ” لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ” , ويقول سبحانه مخاطبًا نبينا (صلى الله عليه وسلم): “فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آَمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ”.

      وجعل سبحانه وتعالى العدل من الأمور الراسخة التي أجمعت عليها الشرائع السماوية , حيث يقول سيدنا عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) في الوصايا العشر التي وردت في أواخر سورة الأنعام : إنها من الأمور المحكمات التي أجمعت عليها جميع الشرائع السماوية , فلم تنسخ في أي ملة من الملل أو شريعة من الشرائع , وفيها قوله تعالى: ” وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى” , فقد أمرنا سبحانه وتعالى بالعدل في الأقوال , وفي الأفعال , بالقسط بين الناس جميعًا , في الرضا والغضب , في القريب والبعيد , في الصديق والعدو , حيث يقول الحق سبحانه : “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا” , ويقول سبحانه : ” وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ” .

       ولأهمية العدل كان الإمام العادل في مقدمة السبعة الذين يظلهم الله (عز وجل) في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله , حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): ” سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ ، الإِمَامُ الْعَادِلُ ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ ” (صحيح البخاري)

      على أن العدل الذي ننشده هو العدل على كل المستويات ، على مستوى الفرد ، وعلى مستوى المجتمع بكل أركانه ومؤسساته ، فالإنسان مطالب بالعدل بين أبنائه وفي أسرته وسائر جوانب حياته ، كما أن على كل مسئول على أي مستوى كان أن يعدل فيما ولاه الله إياه ، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” مَا مِنْ رَجُلٍ يَلِي أَمْرَ عَشَرَةٍ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ إِلَّا أَتَى اللهَ مَغْلُولًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَدُهُ إِلَى عُنُقِهِ فَكَّهُ بِرُّهُ أَوْ أَوْبَقَهُ إِثْمُهُ “.

      على أن تحقيق العدل الإداري بين المرءوسين وبين المتعاملين يعمق الولاء والانتماء الوطني , أما ظلم الناس وتقديم الولاء على الكفاءة فيولد الاحتقان المجتمعي ويضعف الولاء الوطني ، ويؤدي إلى الشقاق المجتمعي.

      وعاقبة الظلم هي الهلاك والدمار في الدنيا والسخط وسوء العاقبة يوم القيامة , حيث يقول الحق سبحانه في شأن الظالمين : ” فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا” , ويقول سبحانه : “فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ” , ويقول سبحانه : “وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ” .

      أما في شأن الظالمين يوم القيامة , فيقول سبحانه : ” وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا ” , ويقول سبحانه : ” مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ” , ويقول سبحانه : ” يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ” , ويقول سبحانه : ” إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا” , وإذا كان الماء المغلي يشوه البطون فإن ماء جهنم من نظر إليه على بعد فإنه كما جاء في الآية الكريمة ” يَشْوِي الْوُجُوهَ” , جزاء وفاقا .

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى