المال والإعلام
المال والإعلام من أهم ركائز القوة في بناء المجتمعات والدول , فالمال عصب الحياة وقوامها , وأحد أهم ركائز القوة فيها , فإعداد الجيوش يحتاج إلى مال واقتصاد قوي , وتوفير الأمن للمجتمعات يحتاج إلى اقتصاد قوي , والتعليم الجيد يحتاج إلى اقتصاد قوي , وتوفير الخدمات الصحية المتميزة يحتاج إلى اقتصاد , وكذلك توفير المسكن الملائم , والبنية التحتية من مياه وكهرباء وطرق وخلافه.
ومن ثمة فإن القوة الاقتصادية في عالم اليوم لا تقل أهمية عن القوة العسكرية , فكما أن الاقتصاد في حاجة إلى قوة تحميه , فإن القوة العسكرية تتطلب اقتصادًا قويًّا لبنائها واستمراريتها وتطويرها وتحديثها , لذا حث الإسلام على العمل والإنتاج وبذل الجهد , حيث يقول الحق سبحانه : “فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ” , ويقول سبحانه : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ” , ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللهِ دَاوُدَ – عَلَيْهِ السَّلاَمُ – كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ ” , ويقول (صلى الله عليه وسلم) : ” إِنْ قَامَتْ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَليغرسها” , ولما رأى (صلى الله عليه وسلم) أحد الناس يسأل الصدقة قال له (عليه الصلاة والسلام) : ” (أَمَا فِي بَيْتِكَ شَيْءٌ ؟ قَالَ: بَلَى، حِلْسٌ نَلْبَسُ بَعْضَهُ وَنَبْسُطُ بَعْضَهُ ، وَقَعْبٌ نَشْرَبُ فِيهِ مِنَ الْمَاءِ ، قَالَ : ائْتِنِي بِهِمَا ، قَالَ : فَأَتَاهُ بِهِمَا ، فَأَخَذَهُمَا رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) بِيَدِهِ، وَقَالَ: مَنْ يَشْتَرِي هَذَيْنِ ؟ قَالَ رَجُلٌ : أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمٍ ، قَالَ : مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ مَرَّتَيْنِ ، أَوْ ثَلاَثًا ، قَالَ رَجُلٌ : أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمَيْنِ فَأَعْطَاهُمَا إِيَّاهُ ، وَأَخَذَ الدِّرْهَمَيْنِ وَأَعْطَاهُمَا الأَنْصَارِيَّ ، وَقَالَ: اشْتَرِ بِأَحَدِهِمَا طَعَامًا فَانْبِذْهُ إِلَى أَهْلِكَ ، وَاشْتَرِ بِالآخَرِ قَدُومًا فَأْتِنِي بِهِ ، فَأَتَاهُ بِهِ ، فَشَدَّ فِيهِ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) عُودًا بِيَدِهِ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : اذْهَبْ فَاحْتَطِبْ وَبِعْ ، وَلاَ أَرَيَنَّكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ، فَذَهَبَ الرَّجُلُ يَحْتَطِبُ وَيَبِيعُ ، فَجَاءَ وَقَدْ أَصَابَ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ ، فَاشْتَرَى بِبَعْضِهَا ثَوْبًا ، وَبِبَعْضِهَا طَعَامًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) : هَذَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَجِيءَ الْمَسْأَلَةُ نُكْتَةً فِي وَجْهِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لاَ تَصْلُحُ إِلاَّ لِثَلاَثَةٍ : لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ ، أَوْ لِذِي غُرْمٍ مُفْظِعٍ ، أَوْ لِذِي دَمٍ مُوجِعٍ”.
أما الإعلام فإلى جانب كونه صناعة فإن له دورًا لا يمكن إغفاله سواء في بناء الدول ودعم وتحفيز اقتصادها , أم في تعميق الانتماء الوطني لدى أبنائها , أم في اتخاذه وسيلة لهدم الدول أو إفشالها أو إضعافها وزلزلة كياناتها , فالإعلام الوطني يبني , والإعلام العميل يهدم , فإذا امتلكت الدولة اقتصادًا قويًّا وإعلاميًّا وطنيًّا واعيًّا , وحدت صفها , وحمت أمنها واستقرارها , وكانت شوكة قوية في حلوق أعدائها.
ومن ثمة تسعى كثير من الدول إما إلى إنشاء كيانات إعلامية قوية , أو شراء مساحات إعلامية واسعة , أو استقطاب إعلاميين وكتاب يدينون لها بالولاء ويتحركون في الساحات التي تريدها , حتى خارج حدودها للدفاع عن مصالحها , وربما للنكاية في أعدائها وخصومها .
ومع أننا لا نمارس غير السياسة النظيفة , ولا نستطيع أن نمارس غيرها , ولا يمكن أن نبتز للخروج على قيمنا الراقية , فلا نغدر , ولا نخون , ولا نطعن في الظهور , ولا نمارس أساليب نخجل منها , ولا نتدخل في شئون أحد , فإننا إنما نعول على إعلام وطني يعي عظم المسئولية , وحجم المخاطر والتحديات , ونعول على كتاب ومثقفين وطنيين بحق , يؤثرون مصلحة الوطن على الدنيا وما فيها , مؤكدين ومتأكدين أن مصر بخير وستظل بخير بفضل الله (عز وجل) , تم بفضل أبنائها المخلصين في كل المجالات , ولا سيما في مجالي المال والإعلام , ففي جانب المال يجب أن يظهر معدن هذا الشعب العظيم في التراحم والتكافل ولا سيما في أوقات الكروب والنوازل والشدائد , وفي مجال الإعلام يجب أن نعمل معًا على تعميق روح الولاء والانتماء ووحدة الصف الوطني في مواجهة التطرف والإرهاب من جهة , والمخاطر والتحديات من جهة أخرى , وثقتنا في هذا الشعب العظيم : في قياداته , ومفكريه , ومثقفيه , وإعلامييه , ورجال أعماله كبير وأملنا فيهم أكبر , وستظل مصر عظيمة بأبنائها كل أبنائها ولن تضام أبدًا بإذن الله تعالى.