الدولة لا الفوضى
هذا العنوان يحمل العديد من المدلولات الهامة ، أولها : الفرق بين الدولة والفوضى ، فالدولة حماية ، الدولة أمان ، الدولة ثقة ، الدولة استقرار ، الدولة نظام ، الدولة مؤسسات ، الدولة أجهزة ، الدولة بنى فكرية وسياسية واقتصادية وتنظيمية وتشريعية ، والفوضى على العكس من ذلك كله ، فهي اللانظام ، واللامؤسسات ، واللا أمان ، واللا استقرار ، واللا أمن ، وهكذا سلسلة من السلبيات لا الإيجابيات .
وقد حاول أعداء الأمة أن يسوقوا لهذه الفوضى ، وأن يجملوا وجهها ببعض المساحيق المسرطنة ، فقالوا : الفوضى الخلاقة ، والفوضى البناءة ، الفوضى الفاعلة ، في مؤامرات خسيسة ودنيئة لتفكيك دولنا ، والوصول بها إلى دويلات صغيرة وعصابات متناحرة ، وبالأحرى اللادولة على نحو ما أصاب كثيرًا من دول منطقتنا والعالم ، كل ذلك لتسهل السيطرة على هذه الدول ، ونهب خيراتها والاستيلاء على مقدراتها والتحكم في قراراتها وتوجهاتها ، أو التخلص من كيانها لو وجدوا إلى ذلك سبيلا، ونسج مسخ جديد منبت الصلة عن ماضيه وحاضره ، حائر متوجس من مستقبله أولا أمل له فيه أصلا ، ونسي هؤلاء أو تناسوا عِبر ودروس التاريخ من أنه لا أمان لأحد في هذا العالم ما دام ظلم الإنسان والعمل على استعباده قائما ، سواء أكان ذلك على مستوى الأفراد ، أم على مستوى الأمم والشعوب ، فما يحدث في شرق العالم نجدصداه في غربه وما يكون في شماله تجد أثره وصداه في جنوبه ، بل إن الجهات الأربع تتداخل وتتوارى وتتقاطع في ظل أدوات التواصل الحديثة والعصرية التي جعلت من العالم كله قرية واحدة ، على أن الإرهاب عابر للقارات ، متجاوز للحدود ، فكما نؤكد دائما الإرهاب لا دين له ، ولا وطن له ، ولا عقل له ، وكما قالوا : فإن خلائق السفهاء تعدي .
ولا شك أن الفوضى التي تحدث حولنا كان مخططا لها أن تدور في بلادنا ، لكن ما تقوم به قواتنا المسلحة الباسلة ، ورجال الشرطة البواسل وكل أبناء الوطن الشرفاء قد أفشل وسيفشل بإذن الله تعالى كل مخططات أعدائنا .
على أننا يجب أن نتصدى وبمنتهى القوة والحسم لكل ما تقوم به أو ما ترمي إليه الجماعات الإرهابية من محاولة زعزعة استقرار المجتمع من خلال عمليات التفجير والتدمير وترويع الآمنين واستهدافهم وإطلاق الشائعات للتأثير على المجتمع وخلخلة ثوابته وثقته في قيادته ، وقد أكدنا من قبل وسنظل نؤكد أنه لا بد من محاكمة هؤلاء المجرمين بتهمة الخيانة الوطنية ، ففي الوقت الذي تحيط فيه بنا المخاطر من جوانب متعددة ، يحتاج منا جميعا أن نعمل وبكل حسم على تطهير جبهتنا الداخلية من الخونة والعملاء والمأجورين وأذناب الاستعمار وعملائه ، فعلى حد قول الشاعر العراقي “محمد مهدي الجوهري” :
ولقد رأى المستعمرون فرائسا
منا وألفـــــوا كلب صيد سائبــا |
فتعهدوه فراح طوع بنانهـــــم
يبـــرون أنيابا لـــــه ومخالبـــــــا |
مستأجرين يخربون بيوتهـــــم
ويكافأون على الخراب رواتبا |
وينبغي أن يدرك الجميع أننا في مرحلة فارقة من تاريخنا سواء على مستوى الوطن ، أم مستوى الأمة، أم مستوى المنطقة ، وهذا يستدعي من جميع الوطنيين الشرفاء إيثار المصلحة العامة على أي مصلحة شخصية أو حزبية أو نفعية ، وأن نعمل جميعا على كشف الخونة والعملاء الذين نعد كشفهم والإبلاغ عنهم واجبًا وطنيًا وشرعيًا .
كما أن على كل واحد منا أن يبدأ بنفسه من خلال مسئوليته المجتمعية أو المؤسسية أو كليهما في أداء واجبه تجاه الحفاظ على الدولة وكيانها وبنائها المتماسك حتى لا نصير جميعًا إلى فوضى لا تبقي ولا تذر .