:أهم الأخبارمقالات

خطورة التعايش مع القبح

أ.د/ محمد مختار جمعة
وزير الأوقاف

الإسلام دين الجمال والأناقة ، والذوق الرفيع ، وكل تعاليمه وتوجيهاته وطرقه ومسالكه تؤدي إلى ذلك , بل إن القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة قد أكدا هذه المعاني , حيث يقول الحق سبحانه وتعالى في كتابه العزيز : ” وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ ” , ويقول سبحانه وتعالى : ” الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى” , “وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ “, ويقول سبحانه وتعالى : ” وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ ” , ويقول سبحانه : ” أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ “, ويقول سبحانه : ” مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ “, ويقول سبحانه في شأن السماوات العلا : ” وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ “,” وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ “.

بل لقد أمرنا القرآن الكريم بأن نتجمل أحسن التجمل , وأن نأخذ زينتنا عند كل مسجد , فقال سبحانه : ” يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ * قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ” , وعندما قال نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ”  لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ ، قَالَ رَجُلٌ : إِنَّ الرَّجُلَ ، يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا ، وَنَعْلُهُ حَسَنَةً ، قَالَ : إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ , الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقَّ وَغَمْطُ النَّاسِ” , ولما أخبره سيدنا الْمُغِيرَةُ بْن شُعْبَةَ (رضي الله عنه) أَنَّهُ خَطَبَ امْرَأَةً , فَقَالَ له النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : ” انْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا “.

وكان (صلى الله عليه وسلم) يحب الطِّيب , وقد دعا إلى طلاقة الوجه والمُحَيَّا , فقال (صلى الله عليه وسلم) : ” لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ ” , وجعل إدخال السرور على الناس من أعظم القربات إلى الله (عز وجل) , فقال (صلى الله عليه وسلم) : ” وَأحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ (عز وجل) سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ”, ودعا (صلى الله عليه وسلم) أصحابه إلى لبس أحسن الثياب عند الجُمع والأعياد والمناسبات العامة .

فيجب علينا جميعًا أن نتجمل بجمال الإسلام في سمتنا , وفي مظهرنا , وفي بيئتنا , وفي مدارسنا , وفي معاهدنا , وفي حدائقنا , وفي متنزهاتنا , وفي أماكننا العامة , وألا نشوه معالم الجمال والبهجة بما ينفر الطبع السليم والذوق الراقي .

على أن من أهم معالم الذوق والجمال والرقي تخير الكلمة الراقية الحلوة الصافية , فقد مرَّ سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) على قوم يوقدون نارًا , فكَرِه أن يقول لهم : السلام عليكم يا أهل النار , إنما قال: السلام عليكم يا أهل الضوء , كما دعانا الإسلام إلى تخير الأسماء الحسنة ذات الدلالات الراقية , وأن نجتنب الأسماء المنفرة التي تحمل دلالات سلبية أو متشائمة مثل بؤس، وشؤم ، وظالم ، وسرّاق ، ونحو ذلك , وكل ما ينفر منه الطبع والذوق والحس الإنساني السليم, وقد أمرنا القرآن الكريم أن نفعل ما هو أجمل , وأن نقول ما هو حسن بل ما هو أحسن , فقال سبحانه : ” وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ” , وقال سبحانه : ” وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ “.

أما فساد الذوق ، وقبول القبح ، والرضا به ، والتعايش معه ، سواء أكان هذا القبح تشويهًا للجمال البصري ، أو إحداثا للضوضاء وإيذاء للسمع ، أم إهمالاً في نظافة الجسم أو الثوب أو المكان ، أم غير ذلك .

وختامًا ننبه إلى أننا أصحاب حضارة عريقة في الأناقة والجمال وحسن التقييم وجمال العمارة على مستوى ثقافتنا ، سواء الثقافة الإسلامية برقيها الديني والإنساني أم الحضارة المصرية المعروفة بجمالها وأناقتها  ، وما أثمره الامتزاج بين هاتين الثقافتين من إفراز وإنتاج مستوى خاصًا فريدًا متميزًا  من الجمال ، آمل أن نعمل معًا على إحيائه ، وعلى أقل تقدير أن نحافظ عليه ولا نسمح بتشويهه .

فليكن شعارنا ” الذوق والرقي والجمال” , فالذوق السليم الراقي هو القادر على الإحساس بهذا الجمال , وعلى إشاعته على من حوله وفي محيطه ومجتمعه ، ويكفينا من الجمال اسمه ، ومن القبح لفظه.

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى