:أهم الأخبارمقالات

الدنيا والآخرة

الدنيا فانية لا محالة , غير أننا نعيش فيها , ونحن مأمورون بإعمارها وإعمار الكون , والسير في مناكب الأرض بحثًا عن الرزق , وبناء للحضارة , وطلبًا للعظة والاعتبار بحال من مضى في القرون الأولى.

والآخرة باقية , ونحن مأمورون بالسعي لها , والإقبال عليها , والعمل لأجلها , عملا لا يخالطه دَخَلٌ ولا نفاق , وذلك حيث يقول سبحانه : ” وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا” (الإسراء : 19).

على أن سعي الدنيا المذموم هو ذلك السعي الذي يكون على حساب الآخرة , وفيمن يضحي بآخرته لأجل دنياه , ولا يعنيه سوى الدنيا ولو باع نفسه أو دينه أو وطنه في سبيلها , وذلك النوع هو الذي ينطبق عليه قوله تعالى : ” مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا” (الإسراء : 18) , وقوله تعالى : ” مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ” (هود :15-16) ، وقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) “ مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ ، وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلا مَا قُدِّرَ لَهُ”(جامع الترمذي).

أما سعي العمل والإنتاج وتحقيق الاستغناء عن ذل السؤال أو الحاجة إلى الناس , فهو ذلكم السعي الذي يدعو إليه الإسلام , حيث يقول نبينا (صلى الله عليه سلم) : ” من أمسى كالا من عمل يده أمسى مغفورا له” , ويقول (صلى الله عليه وسلم) : “مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ , وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ” (صحيح البخاري) , ويقول (صلى الله عليه وسلم) : ” إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها فليغرسها” (رواه أحمد) , ويقول (صلى الله عليه وسلم) : ” لَأَنْ يَحْتَطِبَ أَحَدُكُمْ حُزْمَةً عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ أَحَدًا فَيُعْطِيَهُ أَوْ يَمْنَعَهُ” (صحيح البخاري) .

إن الذي نفتقده , والذي نسعى إليه , هو ذلكم التوازن , وتلكم الوسطية  القائمة على الاعتدال , في قوله تعالى : ” وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ” , وقوله تعالى : ” وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا” (الإسراء : 29) , وقوله تعالى : ” وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ” (الفرقان : 67) , وقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ” , وقوله (صلى الله عليه وسلم) : ” إِنَّمَا الدُّنْيَا لأَرْبَعَةِ نَفَرٍ عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالاً وَعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِى فِيهِ رَبَّهُ وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالاً فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِى مَالاً لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلاَنٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالاً وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا فَهُوَ يَخْبِطُ فِى مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ لاَ يَتَّقِى فِيهِ رَبَّهُ وَلاَ يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَلاَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ، وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالاً وَلاَ عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالاً لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلاَنٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ ” (سنن الترمذي), وقد قالوا :

ما أجمل الدينَ وَالدُنيا إِذا اِجتَمَعا

وَأَقبَحَ الكُفرَ وَالإِفـــــلاسَ بِالرَجُــــلِ

فلا حرج في طلب الحسنى في الدنيا والآخرة , بل هل مطلوب مشروع وممدوح , وذلك حيث يقول الحق سبحانه وتعالى في كتابه العزيز : ” وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ” (البقرة : 201-202) , نسأل الله (عز وجل) أن نكون منهم.

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى