صناعة الإرهاب وحتمية المواجهة
لم يعد الإرهاب مجرد فكرة ، أو مجرد اعتقاد ، فقد تحول إلى صناعة ، وتجارة ، وتحول الإرهابيون إلى أدوات تُستأجر لمن يدفع ، ومن يمول ، ومن يأوي ، ومن يدعم ، ودخل الإرهاب على السياسة غير النظيفة من أوسع الأبواب ، حيث صارت بعض الدول تستخدم الإرهاب وتوظفه لتحقيق مآربها وأطماعها ، كما تحاول بعض الدول التي لا تكاد تجد لها مكانًا في عالم السياسة أو الحضارة استخدام الإرهاب في تحقيق أطماع وبناء أمجاد كاذبة لم تكن لتطمح لمجرد التفكير فيها دون أن تستخدم هذا الإرهاب الغاشم اللعين ، كما أن بعض الدول قد تستخدمه في المكايدة السياسية أو لتأديب خصومها سياسيًّا ، أو لتفتيت دول وتمزيقها وإفشالها، أو لصالح قوى أخرى تناصب هذه الدول المراد تفتيتها العداء ، وتدين لمن يدعمها بالطاعة والولاء .
وفي محاولة منا لإلقاء الضوء حول صناعة الإرهاب آثرنا أن يكون موضوع مؤتمرنا القادم “صناعة الإرهاب وحتمية المواجهة” بحيث تتضمن محاوره تحديد مفهوم الإرهاب ، ومخاطره ، وأسبابه ودوافع صناعته ، وحتمية مواجهته ، وآليات هذه المواجهة فكريًّا ، وأمنيًّا ، وثقافيًّا وإعلاميًّا ، وإلكترونيًّا ، وتربويًّا ، وأسريًّا ، ومجتمعيًّا محليًّا ودوليًّا ، بحيث يدعى له ويستكتب فيه ، ويشارك في جلساته نخبة من أبرز العلماء والمفكرين والسياسيين والأدباء والإعلاميين والخبراء الأمنيين وعلماء النفس والاجتماع من مختلف دول العالم ، مع تمثيل عال للمؤسسات المعنية بمواجهة الإرهاب ، ذلك أن الوقت ليس في صالحنا ، ولا يحتمل التأجيل أو التراخي ، أو التسويف ، مع إيماننا بأن العالم أشبه ما يكون بقرية صغيرة ما يحدث في شماله سرعان ما تجد صداه في جنوبه ، ولا يمكن أن يكون شرقه بمنأى عما يحدث في غربه أو شماله أو جنوبه أو في أي بقعة منه في عالم أسرع أدواته تقدمًا هي تكنولوجيا التواصل ، على أنه لم يعد بمقدور أي مؤسسة دينية أو فكرية أو ثقافية أو أمنية مواجهة هذا الداء اللعين بمفردها , كما أنه لم يعد بوسع أي دولة منفردة مهما كانت درجة يقظتها أن تقضي على الإرهاب قضاء محكمًا مبرمًا نافذًا, ما لم تكن هناك إرادة إقليمية ودولية جادة وصادقة في محاربة الإرهاب وقطع دابره ودابر وأيدي مموليه وحاضنيه ومشجعيه وداعميه ماليًّا أو ثقافيًّا أو فكريًّا أو لوجيستيًّا .
مع يقيننا أن الإرهاب لا يمكن أن ينتشر أو يتمدد إلا في ظل حواضن تحتضنه وتأويه , وتوفر لعناصره ملاذا آمنًا , والذي لا شك فيه أن جماعة الإخوان الإرهابية هي أكبر حاضنة دولية للجماعات الإرهابية وعناصرها , وفي كل يوم تتكشف وستتكشف لنا طبيعة هذه الجماعة التي لا ترى إلا نفسها وأعضاءها وعناصرها ومؤيدها , ولا تبحث إلا عما يحقق مطامعها ومطامع قياداتها السلطوية , ولو ضحوا بدينهم وأوطانهم وحتى بشباب الجماعة المخدوعين المغرر بكثير منهم , مما يحمل المثقفين الواعين بطبيعة هذه الجماعة الدموية مسئولية وواجب كشف حقيقتها أمام العالم كله من جهة , وأمام الشباب والناشئة بصفة خاصة من جهة أخرى , تحصينًا لهم من شرها أو الوقوع في شركها.
كما يجب على المنظمات الدولية والوطنية الجادة أن تتعاون وأن تتضافر جهودها الفكرية والثقافية والأمنية والعسكرية في القضاء على الفكر الإرهابي والجماعات الظلامية الإرهابية , وأن تقوم كل جهة بمسئوليتها تجاه مواجهة الإرهاب دون أن تتبادل اتهامات التقصير , فتنفض كل جهة يدها , وتلقي بالتبعة والتقصير على ما سواها , وعلينا ألا نيأس من طول المواجهة , ولا حتى مما قد يصيبنا في سبيلها , ذلك أن أهل الباطل لا يعملون إلا في غياب أو تقاعس أهل الحق ، وإذا فرط أصحاب الحق في حقهم تمسك أصحاب الباطل بباطلهم , أما إذا تمسك أصحاب الحق بحقهم فإنهم لهم المنصورون لا محالة , وذلك حيث يقول الحق سبحانه : ” وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ” , ويقول سبحانه : ” بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ” ، ويقول سبحانه: ” أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ” .