الزكاة وحركة الحياة
إخراج الزكاة إلى مستحقيها يعني أمورًا عديدة أهمها روح الرحمة والتكافل والتراحم الذي شرعه الحق سبحانه ، فهي طعمة للفقير ، بل هي حق له ، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) لسيدنا معاذ بن جبل (رضي الله عنه) حين أرسله إلى اليمن : ” إنك تأتي قوما من أهل الكتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة ، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم ، فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم ، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب ” (صحيح مسلم) ، وهي طهرة للمزكي حيث يقول الحق سبحانه : ” خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا ” (التوبة : 103) ، وهي نماء للمال حيث يقول سبحانه : ” وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ”(سبأ : 39) ، ويقول الحق سبحانه : ” وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ ” (إبراهيم : 7) ، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعطِ منفقًا خلفا ، ويقول الآخر: اللهم أعطِ ممسكًا تلفًا ” ، بل هي تحصين له ، وهي مداواة للمريض حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” حَصِّنُوا أَمْوَالَكُمْ بِالزَّكَاةِ ، وَدَاوُوا مَرْضَاكُمْ بِالصَّدَقَةِ ، وَأَعِدُّوا لِلْبَلاءِ الدُّعَاءَ ” ، وهي وقاية للمال من الزوال ، حيث يقول الحق سبحانه : ” هَاأَنتُمْ هَؤُلاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ” (محمد : 38) ، ويقول سبحانه : ” وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً ” (الكهف : 32) ، ثم يقول سبحانه تعقيبًا على فعلتهم النكراء: ” كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ” (القلم : 33) ، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” إِنَّ لِلَّهِ عبادًا اخْتَصَّهُمْ بِالنِّعَمِ لِمَنَافِعِ الْعِبَادِ، يُقِرُّهُمْ فِيهَا مَا بَذَلُوهَا، فَإِذَا مَنَعُوهَا نَزَعَهَا مِنْهُمْ، فَحَوَّلَهَا إِلَى غَيْرِهِمْ ” ، ثم إن السخيَّ قريب من الله ، قريب من الجنة ، قريب من الناس ، بعيد عن النار ، وإن البخيل بعيد عن الله ، بعيد عن الجنة ، بعيد عن الناس ، قريب من النار .
وقد وعد الله المنفقين بمضاعفة الأجر والثواب فقال سبحانه : ” مثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ” (البقرة : 261) ، ووعدهم بأن يخلف عليهم خيرًا مما أنفقوه ، فقال تعالى : ” وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ ” (البقرة : 272) .
وتوعد مانعي الزكاة وحابس المال بالوعيد الشديد فقال سبحانه : ” وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ” (التوبة : 34)، وقال سبحانه مخاطبًا أهل النار : ” مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ” (المدثر : 42-43) ، وقال سبحانه : ” أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ * ” (الماعون : 1-7) ، على أن إخراج الزكاة والصدقات والوفاء بحق فروض الكفايات يخرج المال من محبسه ليُسهم في دوران حركة الحياة إطعام الجائع وكساء العاري ومداواة المريض ، وإيواء المشرد مع ما يترتب على ذلك من فرص عمل ودوران لحركة الحياة ، أما كنز المال وحبسه فيسهم في الجمود والركود ، ويسير عكس ناموس الكون الذي أراده الله (عز وجل) .