:أهم الأخبارمقالات

شعبان والتهيئة الروحية

عندما يهلُّ علينا شهر شعبان ندرك وبلا أدنى شك أننا على أعتاب وأبواب شهر كريم هو شهر رمضان ، وقد كان الصالحون يدركون فضل هذا الشهر الكريم ، ويجعلونه مقصدهم ومحور اهتمامهم ، فستة أشهر يسألون الله (عز وجل) أن يبلغهم إياه ، وستة أشهر يسألونه سبحانه وتعالى أن يتقبله منهم.

وكانوا يتخذون من شعبان توطئة وتهيئة لاستقبال هذا الشهر الكريم ، ولنا ولهم في رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أسوة حسنة ، حيث تقول السيدة عاشة (رضي الله عنها) : ” كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لَا يُفْطِرُ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لَا يَصُومُ وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلَّا رَمَضَانَ وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ” , ولما سئل (صلى الله عليه وسلم) عن ذلك , قال : “هُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ”.

وإذا كان أهل الدنيا يستعدون كل الاستعداد لأمور دنياهم ، وحق لهم ، وهو أمر محمود لمن يعمل ويخطط لإنجاح ما هو مقبل عليه من عمل ، وإذا كان من يريد أن يعقد ندوة أو مؤتمرًا أعد له وهيأ لأسابيع أو لشهور عدة ، فإن شهرًا كريمًا بما فيه ليلة هي خير من ألف شهر لجدير أن نعد أنفسنا وأن نهيأها لاستقباله مبكرًا.

هو شهر الصوم ، فلتكن التهيئة بالحرص على النوافل والإكثار من الصيام في شعبان ، وهو شهر القيام ، فلتكن التهيئة بالحرص على قيام الليل ، وقبله الحرص على أداء الفرائض ، ولا سيما صلاة الفجر وأداؤها في جماعة طوال شهر شعبان ، وإذا كان رمضان شهر القرآن ، فلنبدأ رحلتنا مع القرآن مبكرًا ، فهمًا ودراسةً وتفقهًا ، وإذا كان رمضان شهر البر والإحسان والجود والكرم ، فلنبدأ من الآن في إعداد أنفسنا لإخراج زكاة أموالنا في رمضان رجاء التعرض لنفحات الله (عز وجل) فيه بمضاعفة الحسنات ، ولنكثر من الصدقات قبيل رمضان ، لإحداث التكافل الإنساني والتوازن المجتمعي بإدخال السعادة والبهجة والسرور على الأسرة الفقيرة والأكثر فقرًا ، بحيث لا يكون بيننا في هذا الشهر الكريم جائع ولا محروم ، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” مَا آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعَانًا وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ” ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : “مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٌ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلُ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ” ، فقَالَ أَبو سَعِيد الْخُدْرِيّ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) : ” فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ” .

وقد جعل الإسلام جزاء من يطعمون الطعام وثوابهم عظيما ، فقال سبحانه : “وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا”.

وقد كان نبينا (صلى الله عليه وسلم) أجود الناس ، وكان (صلى الله عليه وسلم) أجود بالخير من الريح المرسلة ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : ” مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا : اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا ، وَيَقُولُ الْآخَرُ : اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا” ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : ” ثَلَاثَةٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ ، قَالَ : مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ ، وَلَا ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلَمَةً فَصَبَرَ عَلَيْهَا إِلَّا زَادَهُ اللَّهُ عِزًّا ، وَلَا فَتَحَ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ”.

على أن المال إنما يزيد وينمو بالإنفاق في وجوه الخير ، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى: “وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ” ، وشكر النعمة يكون من جنسها ، فشكر المال إنفاقه في وجوه الخير ومعرفة حق الله فيه ، وبخاصة تجاه الفقراء والمساكين والأيتام والمحتاجين ، فهلم يا باغي الخير أقبل ، ويا باغي الشر أقصر.

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى