:أهم الأخبارمقالات

حماية الكنائس

أكدنا أن الاعتداء على الكنائس كالاعتداء على المساجد ، وأن استهدافها أو استهداف قاصديها كاستهداف المساجد وقاصديها ، وقد ذكر العلامة ابن حزم أنه إذا جاء من يقصد من يعيش بيننا من غير المسلمين بسوء وجب على المسلمين أن يهبوا لحمايتهم ، وأن نخرج للدفاع عنهم ، وأن نموت دون ذلك ، وقد أكدنا أن من يموت منا دفاعًا عن الكنيسة كمن يموت منا دفاعًا عن المسجد ، لأننا شركاء في الوطن والمصير ، وهذا هو فقه ومفهوم المواطنة المتكافئة في الحقوق والواجبات .

وقد أخرجنا منذ عام كتاب حماية الكنائس في الإسلام وترجمناه إلى ثلاث عشرة لغة ، ترسيخًا لأسس المواطنة العصرية الشاملة دون تمييز  ، وتأصيلاً لفقه العيش الإنساني المشترك بين البشر دون تفرقة على أساس الدين أو اللون أو العرق أو الجنس أو اللغة ، وانطلاقًا من قوله تعالى :” لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ” (البقرة :256) ، وإيمانًّا منًّا بالتنوع والاختلاف الذي هو سنة من سنن الله الكونية ، حيث يقول سبحانه وتعالى : ” وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ” (هود 118-119) .

وخروجًا من ضيق الأفق الفكري إلى رحابة الإسلام الواسعة واحترامه للآخر ، وحرصًا منًّا على إبراز حقوق الآخرين علينا إنصافًا من أنفسنا ، وتأصيلا لمبدأ الاحترام المتبادل ، ودحضًا للفكر المتطرف ، والتأكيد للعالم كله على سماحة الإسلام ، وأن ما يصيبه من محاولات تشويه لا يمت لسماحته بصلة.

كما قدم له فضيلة المفتي أ.د/ شوقي علام مفتي الديار المصرية للكتاب نفسه بمقدمة ذكر فيها: أن حماية أهل الأديان السماوية ودور عبادتهم من مقاصد العمران الإسلامي ، حيث قال تعالى: “وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز” (الحج:40) ، فالناس في اختلافهم الديني والعرقي مجال كبير لاكتمال العمران في الدنيا .

وقد أحسن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) بامتناعه أن ينزع من نصارى بيت المقدس كنائسهم وأن يحافظ لهم عليها ويوثق عهده لهم فيما أصبح يشتهر باسم العهدة العمرية ، وعلى ذلك جرى عمل المسلمين عبر تاريخهم المشرف وحضارتهم النقية وأخلاقهم النبيلة السمحة، منذ العصور الأولى حتى أَنَّ عالمي الديار المصرية الإمام والمحدث والفقيه الليث بن سعد ، والإمام قاضي مصر عبد الله بن لهيعة أكدا أن كنائس مصر لم تُبْنَ إلا في الإسلام ، وأن والي مصر في زمن هارون الرشيد ، موسى بن عيسى أمر بإعادة بناء الكنائس التي هدمها مَن كان قبله وجعل ذلك مِن عمارة البلاد ، وكانا أعلم أهل مصر في زمنهما بلا مدافعة. (راجع في ذلك : الولاة والقضاة للكندي، ط: مطبعة الآبا اليسوعيين ، بيروت سنة 1908م، ص132).

ويقول فضيلته : ومن ثمَّ تأتي أهمية هذا الكتاب الصادر عن وزارة الأوقاف المصرية الذي يظهر الجوانب المشرقة في الدين الإسلامي الذي يفيض تسامحًا ورقيًّا مع مخالفيه، ومع أهل الكتاب بالخصوص فسمح لهم بممارسة طقوس أديانهم في دور عبادتهم ، وضمن لهم من أجل ذلك سلامة دور العبادة، وأَوْلَى بها عناية خاصة ، فحرَّم الاعتداء عليها بكافة أشكاله.

وعلى ذلك سار المسلمون سلفًا وخلفًا عبر تاريخهم المشرف وحضارتهم النقية وأخلاقهم النبيلة السمحة التي دخلوا بها قلوب الناس قبل أن يدخلوا بلدانهم.

فعلى من لم يعلم أن يتعلم ، ومن لا يفهم أن لا يتكلم ، ومن يعلم ويفهم أن يتكلم بالحق في ضوء ما قرره أهل الفهم والعلم والاختصاص ، حتى  لا يتخذ الحمقى والجهال من كلام أهل البغي والضلال ما يستحلون به الدماء ويخربون به عامر البنيان  ، ويفرقون بين أبناء الوطن الواحد ،  بلا علم ولا فقه ولا بينة ، ولا دليل من كتاب أو سنة ، ويصيرون عبئا وعالة على الوطن وأمنه واستقراره ووحدة نسيجه ولحمته وكيانه.

ولا شك أن الوطن لنا جميعًا ، وبنا جميعًا ، فالوطن يجمع أبنائنا يقوى ويتقدم بمقدار تماسكهم ولحمتهم ووحدة صفهم ، نسأل الله أن ينير بصائرنا جميعًا بالفهم السديد الرشيد للأديان ، وأن يحفظ مصرنا العزيزة من كل سوء ومكروه .

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى