:أهم الأخبارمقالات

قيام الدول وسقوطها

mokhtar-gomaa3

لا شيء أخطر في تاريخ البشرية من المراحل الانتقالية في تاريخ الدول ، حتى كتب العديد من الباحثين الكثير من الرسائل حول سقوط دول وقيام أخرى ، تنظيرًا وتطبيقًا ، ولم يأت الخطر الحقيقي علي أي دولة من خارجها ، مثلما كانت عوامل سقوطها نابعة من داخلها سواء بخيانة بعض أبنائها وعمالتهم واستخدامهم لضرب دولهم ، أم بسقطات أبنائها وخروجهم عن طريق الجادة إلى طريق الانحراف أو البغي والطغيان والاستكبار ، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى :  ” وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً ” ، ويقول سبحانه وتعالى : ” فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ” ، ويقول سبحانه في شأن قوم سيدنا صالح (عليه السلام) : ” وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ” ، ويقول سبحانه في قوم سيدنا لوط عليه السلام : ” وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ *‏ وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ *فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ * وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ” .

فالحكم الرشيد هو الذي يقوم على العدل , ذلك أن الله (عز وجل) ينصر الدولة العادلة ولو كانت كافرة ولا ينصر الدولة الظالمة ولو كانت مؤمنة , ويقوم على القيم والأخلاق , ذلك أن الأمم والحضارات التي لا تقوم على القيم والأخلاق إنما تحمل عوامل سقوطها وانهيارها في أصل بنيانها , “سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا”.

وقد حاول بعض من كتبوا في شأن الدول أن يبينوا  عوامل استقرار الدول وعوامل انهيارها و سقوطها , فذكر بعضهم أن من أهم الأمور التي تؤدي إلى انهيار الدول :

الأول : انتشار الفساد بكل أشكاله من المجاملة والرشوة والمحسوبية وتقديم الولاء على الكفاءة , إذ لا يسخط الناس في حياتهم من شيء قدر سخطهم من الفساد وإحساسهم بالغبن , لذا يجب على أي حكم رشيد أن يجعل محاربة الفساد بكل صوره وأشكاله أولوية وهو ما أرى أننا نسير فيه بخطى ثابتة وربما غير مسبوقة , مما جعل مصر تحسن موقعها كثيرا في مجال محاربة الفساد وتحقيق الشفافية .

الأمر الثاني : شيوع الظلم سواء على مستوى الأفراد بغياب الأمن أو غياب القضاء العادل أو غياب العدالة في الحصول على الفرص المتكافئة أيًّا كان نوعها , أم على المستوى الطبقي الذي يقوم على استبعاد الفقراء والكادحين وتهميشهم مع ازدرائهم والاستخفاف بهم.

وهو يتطلب تضافر كافة المؤسسات الرسمية والاجتماعية والأهلية لحماية الطبقات الأكثر فقرًا واحتياجًا من خلال الرعاية الاجتماعية المتكاملة من منظور ديني ووطني فكلاهما يدعوان إلى التكافل والتراحم , فنحن في سفينة واحدة , لا منجاة فيها لأحد بمفرده , حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنْ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا : لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا”.

الأمر الثالث: غياب الأمن وضعف سلطة الدولة وقيام العصابات أو الجماعات أو الميليشيات بفرض سطوتها على المجتمع أو على بعض المواطنين , مما يفقد المظلومين المقهورين الولاء للدولة , لذا فإن دعم المؤسسات العسكرية والأمنية لحفظ الوطن من الأخطار المحدقة به في  الداخل والخارج يُعد مطلبًا شرعيًّا ووطنيًّا, على أن يكون أمن المواطن والحفاظ على كرامته أولوية لأي نظام يبحث عن الاستقرار وتحقيق الولاء والانتماء الوطني.

الأمر الرابع : تدهور القيم , فإن الحضارات قد تضعف أو تذبل أو تمرض ، وأطباؤها هم العلماء والمفكرون والفلاسفة وحماة القيم والباحثون عنها , مع التأكيد على أهمية إعداد وانتقاء واختيار من يشكلون فكر وثقافة المجتمع فقد ذكر بعضهم أن الأنبياء حكام على الظاهر والباطن , والحكام حكام على الظاهر , والعلماء حكام على باطن الخاصة , والوعاظ حكام على باطن الخاصة , وإذا كانت الحروب تنشأ في الباطن قبل الظاهر وتنمو في العقل قبل أن تنمو على الأرض , فإن التعامل الأمني يتعامل مع العرض والظاهر وهو أمر في غاية الأهمية , لكن يبقى التعامل مع أصل الداء والمرض في الباطن , وهو دور العلماء والمفكرين والمثقفين والمربين والتربويين والوعاظ , ومن ثمة فإنه لابد من حسن انتقائهم وحسن إعدادهم وتأهيلهم ورعايتهم الرعاية المناسبة للمهام الثقيلة الملقاة على عاتقهم ، وهو ما نسعى إليه ونعمل معا على تحقيقه بإذن الله تعالى.

الأمر الخامس: تدهور الأحوال المعيشية للأفراد بما يخل باحتياجاتهم الأساسية , فمع ضرورة تقدير الأفراد للظروف والتحديات التي تمر بها أوطانهم , ومع أننا نذكر بأن أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم) صبروا على الحصار الاقتصادي حتى أكلوا ورق الشجر من شدة الجوع , فإن ذلك يحتاج منا جميعًا العمل على كسر كل ألوان الحصار والتضييق , بالعمل والإنتاج , والجد والاجتهاد وحسن التكافل الاجتماعي , ورعاية الضعفاء والمهمشين ، والضرب بيد من حديد على أيدي المغالين والمحتكرين ، وحسن التدبير ، فنحن نحتاج إلى عمل بلا كلل ، وإنفاق في غير سرف ، وتكافل وتراحم بين أبناء المجتمع بما يعبر بنا جميعًا إلى بر الأمان ، ولا شك أن على رجال الأعمال ومؤسسات المجتمع المدني دورًا هامًّا في إحداث التوازن وسد الحوائج الأساسية للمحتاجين.

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى