:أهم الأخبارمقالات

دموع العظماء

mokhtar-Gomaa copy2

دموع العظماء عزيزة ، غالية ، نادرة ، وقد تكون الدمعة رحمة ، كما قال نبينا (صلى الله عليه وسلم ) عندما دمعت عيناه عند وفاة ابنه إبراهيم (عليه السلام) ، فسأله سيدنا عبد الرحمن بن عوف (رضي الله عنه) : وأنت يا رسول الله ؟ فقال (صلى الله عليه وسلم): “يا عبد الرحمن إنها رحمة” ، وإن العين لتدمع وإن القلب ليحزن , ولا نقول إلا ما يرضي ربنا , وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون ” ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : “عَيْنَانِ لاَ تَمَسُّهُمَا النَّارُ : عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ” )رواه الترمذي( ، ومن السبعة الذين يظلهم الله (عز وجل) في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله , رجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه من الدمع ، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم ) : “سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ الإِمَامُ الْعَادِلُ ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ” (رواه البخاري) .

فإذا تحدثنا عن دنيا الناس نجد دموع العظماء عزيزة أيضًا ، فهذا أبو الطيب المتنبي يعزي سيف الدولة الحمداني في وفاة أمه , فيقول :

وَمَن سَرّ أهْلَ الأرْضِ ثمّ بكَـى أسًـــى

بكَــــى بعُيُـــــونٍ سَــرّهَـــــــا وَقُلُــــوبِ

أما يوم وفاة سيف الدولة نفسه , فيقول أبو الطيب:

ما كنــتُ آمُـــلُ قَبـــلَ نَعشِــكَ أن أرَى

رَضْوَى علـى أيــدي الرّجـــالِ تَسيــــرُ

ما كنتُ أحسبُ قبل دفنكَ في الثّرَى

أنّ الكَواكِـــبَ فـــي التّــــرابِ تَغُــــورُ

 

 

وهذا متمم بن نويره يبكي أخاه مالكا , فيقول :

يقولـــــون تبكي كــــــل قبـــــر رأيتــــــه

لقبــر ثوى بيـــن اللـــــوى فالدكــــادك

فقلــت له إن الأســى يبعـــــث الأســـى

فدعنــــــي فهـــذا كلـــــه قبـــــر مالــــــك

وهذا حافظ إبراهيم يقول في رثاء مصطفى كامل :

أَيــــــا قَبــرُ هَـذا الضَيــــفُ آمــــالُ أُمَّـــةٍ

فَكَبِّـــر وَهَلِّل وَاِلقَ ضَيفَــــــكَ جاثِيــــــــــا

ويقول في رثاء الإمام محمد عبده :

سَــلامٌ عَلــــى الإِســـلامِ بَعـــدَ مُحَمَّــــــــدٍ

سَــلامٌ عَلـــــــــى أَيّامِــــــهِ النَضِـــــــــــراتِ

عَلــى الدينِ وَالدُنيا عَلى العِلمِ وَالحِجــا

عَلى البِرِّ وَالتَقـــوى عَلــــــى الحَسَنـــــاتِ

لَقَد كُنـــتُ أَخشى عـــادِيَ المَــوتِ قَبلَهُ

فَأَصبَحـتُ أَخشـــى أَن تَطـــولَ حَياتـــي

ويقول عَبْدَة بن الطّبيب في رثاء قيس بن عاصمٍ:

عَلَيَـــكَ سَلامُ اللَّهِ قَيْسَ بْــــنَ عَاصِـــــــم

وَرَحْــــــــمَتُـــــهَ مَا شَـاءَ أَنْ يـَتَرَحَّمَـــــــا

تَحِــــــــيَّــــــةَ مَنْ أَوْلَيْتَهُ مِنْــكَ نِعْمَــــــــةً

إِذَا زَارَ عَنْ شَــحْـــــــطٍ بِلَادَكَ سَلمَّــــــــا

فَمَـــا كَـــانَ قَيْـــسٌ هُلْكه هُلْـــكَ وَاحِدٍ

وَلَكِــــــنَّهُ بُنْيَـــــــانُ قَـــــوْمٍ تَهَــــدَّمَـــــــا

 

وهذا سيدنا حسان بن ثابت يقول في رثاء سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)  :

كنـــــــــتَ الســـــــوادَ لناظـــــــــري

فَعَمِـــــــي عَلَيْــــــــــكَ النّاظِــــــــــرُ

مـــنْ شـــــــاء بعـــــــدكَ فليمـــــــتْ

فعليــــــــكَ كنـــــــــتُ أحـــــــــــاذرُ

ويقول:

مــــا بَـــالُ عَينِـــكَ لا تَنَــــامُ كأنّمَـــا

كُحِلَــــتْ مآقِيهــــا بكُحْـــلِ الأرْمَــدِ

جزعاً على المهـديّ، أصبــحَ ثاويـــاً

يا خيرَ من وطىء َ الحصى لا تبعــدِ

جنبي يقيكَ التربَ لهفـــي ليتنـــــي

غُيّبْـــتُ قَبْلَـــكَ فـــي بَقِيــعِ الغَرْقَــدِ

بأبي وأمــــي مـــنْ شهـــدتُ وفاتـــهُ

في يومِ الاثنينِ النبـــيُّ المهتـــدي

فَظَلِلْـــتُ بَعْــــدَ وَفَاتِــــــهِ مُتَبَلِّـــــداً،

يالهْفَ نفســـي لَيْتَنــــي لــــم أُولَــــدِ

أأُقِيــــمُ بَعْـــــدَكَ بالمَدينَــــة ِ بَيْنَهُـمْ؟

يا لَيْتَنــي صُبّحْـــــتُ سَــــمَّ الأسْـــوَدِ

والوقفة التي أقفها هنا والتي يجب أن يقف عندها كل متأمل , هي ماذا فعل الإنسان للناس ؟ وماذا قدم لهم ولنفسه من الخير ؟ وما أثره ودوره في أمر دينهم ودنياهم؟ فما يقدم الإنسان من الخير وصالح العمل يجده في الدنيا رحمة وتعاطفًا ومشاركة وجدانية , وهذا معنى قول المتنبي :

وَمَـن سَرّ أهْلَ الأرْضِ ثمّ بكَى أسًـى

بكَــــــى بعُيُــــــونٍ سَرّهَـــــا وَقُلُــــوبِ

بما يوفاه عند ربه الجزاء الأوفى.

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى