:أهم الأخبارمقالات

ليـــــن الجانــــب

أ.د/ محمد مختار جمعة
وزير الأوقاف

لين الجانب صفة من أهم الصفات التي تورث الألفة والمودة بين الناس , حيث يقول الحق سبحانه مخاطبًا سيدنا وحبيبنا محمدًا (صلى الله عليه وسلم) : ” فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ” , ويقول سبحانه : ” لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ”.

وقد قال أحد الحكماء يوصي ابنه : أطع قومك يحبوك , وألن لهم جانبك يسودوك , وأكرم صغيرهم يكرمك كبيرهم وينشأ على محبتكم صغيرهم.

وقد أمرنا الإسلام بلين الجانب في نصح الآخرين حتى لو كانوا طغاة ، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى مخاطبًا سيدنا موسى وسيدنا هارون عليهما السلام  : ” اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى * قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى *قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى فَأْتِيَاهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى ” ، ويقول سبحانه : ” ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ” ، ويقول سبحانه : ” وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً” (البقرة : 83)، ويقول سبحانه وتعالى : ” وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ” ، ويقول سبحانه: ” وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ” ، وقد قالوا : البر شيء هين وجه طلق وقول لين ، وعن عبد الله بن عمر و بن العاص (رضي الله عنهما) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال : ” إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرْفَةً يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا ، وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا ” ، فَقَالَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ : لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : ” لِمَنْ أَلَانَ الْكَلَامَ ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ ، وَبَاتَ لِلَّهِ قَائِمًا وَالنَّاسُ نِيَامٌ ” ، وعن ابن مسعود (رضي الله عنه) أنه (صلى الله عليه وسلم ) قال: ” حُرِّمَ عَلَى النَّارِ كُلُّ هَيِّنٍ لَيِّنٍ سَهْلٍ قَرِيبٍ مِنَ النَّاسِ ” ، وعن أبي هريرة (رضي الله عنه) أنه (صلى الله عليه وسلم) قال : ” الكَلِمَةُ الليِّنة صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى الصَّلاَةِ  -أو قال إلى المسجد -صَدَقَةٌ”.

فالمسلم سهل هين لين يألف ويؤلف ، والكافر فظ غليظ عتل جبَّار لا يألف ولا يؤلف ، وقد قالوا : لا خير في من لايألف ولا يؤلف .

وفي مقابل اللين ، وخفض الجناح ، تأتي الغلظة والشدة والعتو والتجبر ، والكبر والاستعلاء ، وكل تلك صفات أهل النار وأهل الضلال ، فعن أَبي هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه) أن رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ : ” تَحَاجَّتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ ، فَقَالَتِ النَّارُ : أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ ، وَقَالَتِ الْجَنَّةُ : فَمَا لِي لَا يَدْخُلُنِي إِلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ وَغِرَّتُهُمْ ، قَالَ اللَّهُ لِلْجَنَّةِ : إِنَّمَا أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي ، وَقَالَ لِلنَّارِ : إِنَّمَا أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا ” , وعن حارثة بن وهب(رضي الله عنه) أنّه سمع النّبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) يقول : “ألا أخبركم بأهل الجنّة؟ قالوا: بلى , قال (صلّى الله عليه وسلّم) : “كلّ ضعيف متضعّف. لو أقسم على الله لأبرّه، ثمّ قال : “ألا أخبركم بأهل النّار؟” قالوا: بلى. قال: «كلّ عتلّ جوّاظ مستكبر”, والجواظ سيئ الخلق المختال في مشيه , وكان سيدنا عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) يقول : “من تواضع لله تخشّعا رفعه الله يوم القيامة , ومن تطاول تعظّما وضعه الله يوم القيامة” , وعن عبد الله بن هبيرة أنّ سلمان سئل عن السّيّئة الّتي لا تنفع معها حسنة؟ قال: “الكبر”.

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى