:أهم الأخبارمقالات

الإسلام السياسي والتطرف الديني

mokhtar-gomaa3

مصطلح الإسلام السياسي واحد من المصطلحات التي أثارت ولا تزال تثير جدلا واسعًا حول علاقة الإسلام بالسياسة ، وهل هو في قلبها أو بمعزل عنها ؟ وهل التداخل بينهما تداخل طبعي منطقي أو أن الفصل بينهما أمر حتمي ؟

على أن كل هذه التساؤلات ما كانت لتطرح قبل استغلال بعض الجماعات المتطرفة للدين لأغراض تحقق مصالحها لا لمصالح الإسلام والمسلمين ولا مصالح الوطن ، ولا الدول الآمنة المستقرة ، حيث استخدمت هذه الجماعات الدين لخداع العامة ، والحصول على تأييدهم ودعمهم الانتخابي أو الأيدلوجي لاعتلاء سدة السلطة وتوظيفها هي الأخرى لصالح الجماعة وأفرادها وعناصرها مع إقصاء مقيت لكل من لا ينتمي إلى الجماعة أي جماعة تتاجر بالدين وتخادع به ، ورمي المجتمع بالجاهلية أو الكفر أو الفسق والابتداع على نحو ما تؤصل له أفكار جماعة الإخوان الإرهابية وغيرها من الجماعات المتطرفة ، في محاولة للتغطية على أهدافها ومطامعها والعمل على تجييش من تستطيع من الشباب المندفعين المتهورين لمناصرتها في وجه الدولة التي لا تؤمن هي بها في سبيل سعيها الدائم للسطو على مقاليد الأمور .

إنني لا أرى مشكلا على الإطلاق بين الإسلام والسياسة لدى من يفهمون الإسلام فهمًا صحيحًا مستنيرًا ، ومن يفهمون السياسة فهمًا وطنيًا مستقيمًا ، فهما قادران على التعايش والتكامل وتحقيق مصلحة الفرد والمجتمع ، كما لا أرى تناقضًا ولا تقابلا بين علماء الدين والمثقفين فقد تتداخل الصفتان ، وتصير العلاقة بينهما علاقة عموم وخصوص وجهي على حد تعبير المناطقة ، وإن كان لكل منهما منهجه في معالجة القضايا والمستجدات وطرق حل المشكلات .

المشكلة إذن في سوء الفهم وتوظيف الدين أو حتى السياسة لمصالح خاصة قد تقتضي من وجهة نظر غير الوطنيين وغير المؤهلين إقصاء الآخر ، سواء بمحاولة إقصاء الدين عن دنيا الناس إقصاءً تامًّا ، أم بإقصاء الجماعات الدينية لمن لا يؤمن بأيدلوجياتها واتهامهم بالكفر أو الفسق أو الجاهلية .

المشكلة إذن إنما هي في التطرف والإقصاء ، وتتجلى المشكلة غاية التجلي في المتاجرة بالدين واستغلاله مطية لتحقيق مطامع لا علاقة لها بالدين ولا بالشرع الحنيف ولا بأي من الشرائع أو الأديان السماوية ، فكل الشرائع السماوية تقوم على قبول الآخر والإيمان بالتعدد وبحرية المعتقد ، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى في كتابه العزيز : ” لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ” ، ويقول سبحانه : ” ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين * إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم” .

فعندما تحدث القرآن الكريم عن تكريم الإنسان تحدث عن تكريم الإنسان على إطلاق إنسانيته دون النظر إلى الدين أو الجنس أو اللون أو العرق أو اللغة أو الشكل أو المكانة الاجتماعية ، فقال الحق سبحانه وتعالى: ” ولقد كرمنا بني آدم ” .

وحين حرم الإسلام قتل النفس حرم قتل النفس أي نفس وكل نفس ، ولم يحرم قتل النفس المسلمة فحسب أو النفس المؤمنة فحسب ، فقال سبحانه وتعالى : ” أنه من قتل نفسًا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا “.

وعندما أمرنا الحق سبحانه وتعالى بحسن المعاملة أمرنا بحسن معاملة الناس جميعًا ، فقال سبحانه: ” وقولوا للناس حسنًا ” ولم يقل : قولوا للمسلمين وحدهم أو للمؤمنين وحدهم حسنًا دون غيرهم، وعندما مرت جنازة يهودي بسيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وقف ( صلى الله عليه وسلم) لها ، فقيل يارسول الله إنها جنازة يهودي ، فقال (صلى الله عليه وسلم): ” أليست نفسًا ؟ ” .

ولما رأى (صلى الله عليه وسلم) امرأة مسنة مقتولة في ساحة القتال ، قال (صلى الله عليه وسلم) : ” من قتلها ؟ ماكانت هذه لتقاتل ” ، مما يؤكد أن القتل إنما يكون على المقاتلة والاعتداء ، وليس جزاء للكفر ، إذ لا يوجد في الإسلام قتل على المعتقد.

فعندما نفهم الإسلام فهما صحيحا ندرك أن الفتوى قد تتغير بتغير الزمان والمكان والحال ، وأن ما كان راجحا في عصر قد يكون مرجوحًا في عصر آخر أو حالة أخرى ، وأن تنظيم شئون حياة الناس في أكثر جوانبها فيه متسع كبير لمراعاة طبيعة الزمان والمكان ، وأن الشرائع قد راعت تحقيق مصالح البلاد والعباد، فحيث تكون المصلحة المعتبرة فثمة شرع الله (عز وجل)، وأهل العلم والفقه على أن باب الاجتهاد لم ولن يغلق، إذ لم يخص الله ( عز وجل) بالفكر والاجتهاد قوما دون قوم أو زمان دون زمان .

ولو أننا فهمنا الأديان بروحها السمحة ، وفهمنا المنهج الإسلامي بما فيه من سعة ومرونة ومراعاة مصالح الناس لوجدنا أنه يدفع دفعًا إلى التقدم والرقي ، وإلى التسامح وتأصيل فقه العيش المشترك بين البشر جميعا ، وإلى العمل والإنتاج لا البطالة والكسل ، وإلى الخلق القويم وسائر المعاني الإنسانية السوية ، ولما وجدنا أي تضارب أو تناقض بينه وبين عمارة الكون وبناء الحضارات ، بل وجدناه خير دافع وداعم لذلك كله .

أما المشكل الحقيقي فهو في هذه الجماعات المتطرفة التي انحرفت بالدين عن سماحته ومعانيه السامية ، وعملت على توظيفه لتحقيق مطامعها السياسية ومصالح أفرادها الشخصية ، وأخذوا يلوون عنق نصوصه لخدمة أيدلوجياتهم ، وألحوا على ذلك حتى ربط البعض فهم الإسلام بالسلوكيات الخاطئة لهذه الجماعات المتطرفة ومناهجها المنحرفة المحرفة ، مما يتطلب جهدًا غير عادي وغير نمطي وغير تقليدي لبيان حقيقة هذه الجماعات التي صارت عبئا على الإسلام وعلى الوطن وعلى الإنسانية في آن واحد، مع اتخاذ الإجراءات التي تردع هذه الجماعات المتاجرة بالدين، ولا يكون ذلك إلا بإسناد الدعوة والفتوى إلى أهلها المتخصصين دون سواهم ، وعدم السماح لأي من أعضاء الجماعات الإرهابية المتطرفة والمتشددة باقتحام عالم الدعوة والفتوى الذين يعملون على اقتحامه خلسة أو عنوة.

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى