:أهم الأخبارمقالات

تحريف الدين وتزوير التاريخ

أ.د/ محمد مختار جمعة
وزير الأوقاف

لعل أخطر منطقة ينبغي عدم العبث بها أو المساس بقيمها هي منطقة الدين ، إذ إن المتاجرة بالدين لحصد مكاسب دنيوية تكون وبالا على أصحابها في الدنيا والآخرة ، لأن من يفعل ذلك يدخل في حرب مع الله تعالى ، وهي حرب معلومة النتائج ، يقول سبحانه: “بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ” (الأنبياء:18).

وقد دأبت الجماعات المتاجرة بالدين على ليّ أعناق النصوص ، وتحريف الكلم عن مواضعه ، واجتزاء النصوص واقتطاعها من سياقها ، بما ينحرف بها عن غاياتها الشرعية.

وهذا كله إلى جانب استحلال الكذب ، واعتباره تقيّة ، مع احتراف الافتراء المتعمد على الأشخاص والهيئات والمؤسسات والحكومات ، في ميكافليّة مقيتة ، فالغاية عندهم تبرر الوسيلة ، ولا تحرّج لديهم من أي وسيلة مهما كانت مخالفتها للشريعة طالما أنها من الممكن أن تكون خطوة في سبيل تحقيق هوسهم بالسلطة.

أما بث الشائعات وترويجها فهو الشغل الشاغل لكتائبهم الإلكترونية ، ولو أن شباب هذه الجماعات المخدوع المغيّب تأمل ولو للحظة واحدة واعية ، أين ما يفعلونه من كتاب ربنا (عز وجل) وسنة نبينا (صلى الله عليه وسلم) ؟ لربما راجع نفسه واكتشف حقيقة هذه الجماعات الإرهابية الضالة.

ألم يعلموا أن كل المسلم على المسلم حرام ماله وعرضه ودمه ، وأن الإسلام حثنا على التبين من الأقوال ، فقال الحق سبحانه : “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِي” (الحجرات:6) ، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ” (المستدرك على الصحيحين) ، ويقول (صلى لله عليه وسلم) : ” إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ” (أخرجه مالك في الموطأ) ، ويقول الحق سبحانه: “مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ” (ق:18).

وقد حثنا الإسلام على التحلي بالصدق وحذر من سوء عاقبة الكذب ، فقال الحق سبحانه: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ” (التوبة:119) ، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : “عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ، وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا” (متفق عليه) ، فما بالكم بمن يتعمد الكذب والافتراء حتى يستحلهما ، وحتى يكونان له سجية وخليقة ثابتة أشبه بالطبع منها بالتطبع؟!

يضاف إلى ذلك ما يدرّب عليه شباب كتائب هذه الجماعات الإرهابية من السخرية بالآخرين والعمل على تشويههم بكل ما أوتوا من خداع وحيل ، متناسين أو متجاهلين قول الله تعالى في كتابه العزيز: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ” (الحجرات:11).

إن أعداء الإسلام لو بذلوا كل ما في وسعهم ومكنتهم لتشويه دين الله (عز وجل) ما بلغوا معشار ما فعلته هذه الجماعات الإرهابية الضالة المضلّة أو نصف هذا المعشار من تشويه لدين الله (عز وجل) وصد عن سبيله وإضرار بشريعته السمحة الغرّاء.

وقد حذرنا مرارا وتكرارا من التدين الشكلي والتدين السياسي والانخداع بمظاهر وظواهر هذه الجماعات الضالة الآثمة ، مما يتطلب من العلماء والمثقفين والغيورين على دينهم ووطنهم التكاتف والتعاضد لكشف حقيقة هذه الجماعات الإرهابية والمتطرفة ، وتفويت الفرصة على من يستخدمونها شوكة في ظهر أوطانها وحربة في قلب ديننا السمح الحنيف الذي جاء رحمة للبشرية جمعاء ، حيث يقول رب العزة (عز وجل) مخاطبًا نبينا محمدًا (صلى الله عليه وسلم) : “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ” (الأنبياء:107) ، ولم يقل رحمة للمسلمين وحدهم أو المؤمنين وحدهم أو الموحدين وحدهم ، فهو دين الرحمة ، ونبينا نبي الرحمة ، ويجب أن نكون جميعا دعاة رحمة وأمن وأمان وسلام للبشرية جمعاء.

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى