:أهم الأخبارمقالات

الفهم غير المستنير

2014-11-6 (1)

         لا شك أن قضيَّة الفهم المستنير هي قضيَّة فكريَّة علميَّة ثقافيَّة , غير أن الأمر يصبح أكثر أهمية وحساسيَّة عندما يتعلق هذا الفهم بالعقائد والأديان , بعد أن سيطر الجمود لعقود وربما لقرون على أذهان كثير من الناس في فهم هذه العقائد وتلك الأديان ,صنيعة ما جرته علينا وعلى مجتمعاتنا الجماعات والتنظيمات المتاجرة بالدين من ويلات ومغالطات , حيث يعتقد بعض الناس وبخاصة بعض الشباب أن مجرد التفكير في بعض القضايا القابلة للحوار والنقاش هو مساس بالثوابت وتضييع لها وللأديان نفسها , وأن مجرد محاورة الشيخ أو مرشد الجماعة أو مراجعته هي ردة يجب التوبة منها أو العقاب عليها , بحيث صار بعض من يؤثرون السلامة لا يجرؤون على البوح بمجرد التفكير في المناقشة أو المراجعة , مع أخذ كلام الشيخ غير المعصوم أو المنزه عن الأعراض البشرية مأخذ النص المقدس , بل إن أحدهم قد يسمح لنفسه بأن يناقشك في النص القرآني أو النبوي وطرائق الاستدلال به , غير أنه لا يسمح لك ولا لنفسه بمراجعته في إملاءات شيخه أو أميره التنظيمي أو مرشده.

وقد حدثني بعض طلاب الجامعات من أعضاء الجماعة الإرهابية يومًا أنهم لا يراجعون قياداتهم حتى فيما لا يقتنعون به ؛ لأنهم يثقون فيهم ثقة مطلقة “عمياء” ويطيعونهم طاعة مطلقة “عمياء” , لأن قياداتهم وفق فهمهم الخاطئ المغلوط , ونقدر من المصالح ما لا يقدرون , وتدرك ما لا يدركون , بحيث نزهوهم عن الخطأ , ورفعوهم إلى درجات ومنازل لا يقبلها عقل .

ولا شك أن هذا الفهم غير المستنير ولا العاقل ولا الراشد أضر بالفهم الصحيح للدين , بحيث صار عبئا على الدين وعلى الوطن وعلى الدولة الوطنية , وعلى النسيج المجتمعي , وعلى صورة الإسلام والمسلمين في العالم , بل على مستوى تقدمنا العلمي والثقافي , فصارت ثقافة هذه الجماعات ثقافة استسلامية , ثقافة التبعية , بما جر في النهاية إلى العمليات الإرهابية والتفجيرية والتخريبية , وصار يشكل خطرًا على منطقتنا وعلى أمن وسلام العالم.

وإذا أردنا أن نعمل على تغيير هذه الصورة وهذا النمط غير الفكري أو النمط الاستسلامي أو نمط الانبطاح الفكري والهزيمة الفكرية والنفسية فلا بد أن نسابق الزمن بالعمل على إحياء دور العقل وإعطاء الفرصة للتعبير عن الذات والرأي وبخاصة للنشء منذ نعومة أظافرهم حتى يشبوا على ذلك ويتعودوا عليه.

وسنبني استراتيجيتنا في وزارة الأوقاف للفهم المستنير والقضاء على الفهم السقيم أو غير المستنير من خلال برامج مدروسة , من أهمها:

  • فكرة الكتاب العصري التي تعمل إلى جانب تحفيظ القرآن الكريم على فهمه فهمًا مستنيرًا , إضافة إلى غرس القيم الأخلاقية والإنسانية وتعميق روح الانتماء الوطني في الناشئة منذ نعومة أظافرهم , وغلق الباب أمام من يعلمون على تجنيد النشء مبكرًا في إطار تنظيماتهم القائمة على ثقافة الاستسلام وتأليه أمرائهم ومرشديهم المزعومين .
  • مراكز الثقافة الإسلامية التي تهدف إلى غرس الثقافة الإسلامية الصحيحة في إطار مناقشة فكرية وعلمية وعقلية تعمل على إنهاء حالة الاستسلام والجمود الفكري , وتصحيح المفاهيم الخاطئة التي تدفع في اتجاه التطرف أو الإرهاب.
  • برامج تأهيل متقدمة للأئمة والخطباء داخل مصر وخارجها من خلال تطوير أكاديمية الأوقاف لتدريب الأئمة وإعداد المدربين باللغات الأجنبية , وفتح أبوابها للأئمة والخطباء من مختلف دول العالم , إضافة إلى فتح مراكز أو فروع لها في بعض دول العالم لنشر الفكر الإسلامي الصحيح وتفكيك الفكر المتطرف .
  • تشكيل لجان علمية متخصصة لتنقية كتب التراث وإعادة قراءتها , وإخراج مختارات منها تتناسب وروح العصر وتغير الزمان والمكان والأحوال , مع الحفاظ على ثوابتنا الشرعية مما هو قطعي الثبوت والدلالة في ضوء قواعد الفهم والاجتهاد الرشيد.
  • الخطبة المكتوبة المقروءة , بما ينأى بالمنبر عن كل محاولات الاستغلال السياسي , ويضبط ميزان الفهم المستنير وفق منهجية علمية مدروسة وشاملة تؤدي في النهاية إلى صياغة مستنيرة للعقل وطرائق الفهم , وتبرز الوجه الحضاري الوسطي السمح لديننا الحنيف , وتقضي على الفكر الظلامي غير المستنير.
المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى