:أهم الأخبارمقالات

تحويل القبلة وموجبات التغيير

 

Mokhtar-Gomaa

 

لا شك أن تحويل القبلة أحد أهم الأحداث في تاريخ الإنسانية , وعلامة فارقة في ثقة أصحاب سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) في كل ما أتاهم به من عند الله (عز وجل) , إضافة إلى ما تضمنه هذا التحويل من ربط بين القبلتين : قبلة المسجدين الحرام والأقصى , ذلك أن نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) ظل ستة عشر شهرًا يصلي تجاه بيت المقدس , وكان (صلى الله عليه وسلم) يتطلع إلى أن يمن الله (عز وجل) عليه بتحويل قبلته إلى بيته الحرام بمكة المكرمة (أم القرى) , وهو ما عبر عنه الحق سبحانه وتعالى في كتابه الكريم بقوله : “قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ” (البقرة : 144) , وما أن جاء الأمر وعلم به بعض أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهم يصلون العصر في مسجد القبلتين تجاه المسجد الأقصى , حتى تحولوا موقنين طائعين غير مجادلين إلى بيت الله الحرام لإتمام صلاتهم , لذا عرف هذا المسجد بمسجد القبلتين , وصار أحد أهم المزارات التي يستحب الذهاب إليها لكل من زار مسجد الحبيب محمد (صلى الله عليه وسلم) بالمدينة المنورة عليها وعلى ساكنها أفضل السلام , فلا تكاد تجد حاجًّا أو معتمرًا يذهب لأداء حجه أو عمرته دون أن يذهب إلى مسجد القبلتين , وإن فاته ذلك لم يعد إلى بلده قرير العين أو مستقر النفس لما فاته من الخير  , فببركة امتثال أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) للأمر الإلهي بالتحول إلى بيت الله الحرام حلت البركة بالمكان وأهله إلى يوم الدين.

وعندما نتأمل في قضية هذا التحول فإننا نرى الأمر جد عميق , ويحتاج أن نقف عند متطلبات ومقتضيات التحول والتغيير في حياتنا المعاصرة , فنتحول من الكلام إلى الفعل , ومن المعصية إلى الطاعة , ومن الغفلة إلى التذكر , ومن الركون إلى الراحة والكسل إلى الجد والعمل , ومن السلبية إلى الإيجابية , ومن الهدم إلى البناء , ومن التخريب إلى التعمير , ومن الفساد والإفساد إلى الصلاح والإصلاح , ومن سفك الدماء إلى الحفاظ على حرمتها , ومن انتهاك الحرمات أو الاعتداء على الأموال أو الأعراض إلى المحافظة عليها , ومن القطيعة إلى الصلة , ومن العداوة والبغضاء والشحناء إلى العفو والصفح والتراحم , فليلة النصف من شعبان ليلة العفو والصفح والمغفرة , إلا المتخاصمين والمتشاحنين , يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : “إِنَّ اللَّهَ لَيَطَّلِعُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ” (رواه ابن ماجه) .

نحتاج إلى التحول من الأنانية إلى الإيثار , ومن الشح والبخل إلى الكرم والسخاء , ومن التعلق بالدنيا إلى الاستعداد للآخرة , ومن الحقد والحسد إلى حب الخير للناس , من الجهل إلى العلم , من السخط إلى الرضا , من الجزع إلى الصبر , من اليأس إلى الأمل , من الظلمات إلى النور , من هجر القرآن إلى المداومة على تلاوته وفهمه وامتثال أوامره ونواهيه , من الفحش والخنا إلى عفة اليد والنفس واللسان , من السباب والفسوق إلى الكلم الطيب , من أذى الجار إلى إكرامه , من سيء الأخلاق إلى مكارمها ومحاسنها , من كل ما يغضب الله (عز وجل) إلى كل ما يرضيه (سبحانه) ويحقق لنا السعادة في الدنيا والآخرة .

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى