:أهم الأخبارمقالات

أطفــال بلا عنـــف

mokhtar-Gomaa copy

 

لقد عني الإسلام بالإنسان بصفة عامة وبالضعفاء بصفة خاصة ، وبالأطفال على وجه أخص ، فهم محل العناية والرعاية ، وهم نعمة من أهم النعم التي يجب رعايتها والمحافظة عليها ، حيث يقول الحق سبحانه : ” وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ ” (النحل: 72).

ولكي ندرك مدى عناية الإسلام بنفسية الطفل ومراعاته لها نذكر بعض ما جاء في ذلك من الهدي النبوي، حيث يحدثنا ويعلمنا نبينا (صلى الله عليه وسلم) أعلى درجات الذوق والرقي ، عندما وجه الآباء إلى تعليم أبنائهم المحافظة على شعور أبناء جيرانهم ، فقال: ” أَتَدْرِي مَا حَقُّ الْجَارِ: إِذَا اسْتَعَانَكَ أَعَنْتَهُ، وَإِذَا اسْتَقْرَضَكَ أَقْرَضْتَهُ، وَإِذَا افْتَقَرَ عُدْتَ عَلَيْهِ ، وَإِذَا مَرِضَ عُدْتَهُ ، وَإِذَا أَصَابَهُ خَيْرٌ هَنَّأْتَهُ، وَإِذَا أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ عَزَّيْتَهُ، وَإِذَا مَاتَ اتَّبَعْتَ جِنَازَتَهُ، وَلَا تَسْتَطِلُ عَلَيْهِ بِالْبِنَاءِ تَحْجُبُ عَنْهُ الرِّيحَ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَلَا تُؤْذِيهِ بِقُتَارِ قِدْرِكَ إِلَّا أَنْ تَغْرِفَ لَهُ مِنْهَا ، وَإِنِ اشْتَرَيْتَ فَاكِهَةً فَأهْدِ لَهُ منها ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَأَدْخِلْهَا سِرًّا، وَلَا يَخْرُجْ بِهَا وَلَدُكَ لِيَغِيظَ بِهَا وَلَدَهُ” (رواه البيهقي في شعب الإيمان).

وفي شأن عدم التمييز بين الأبناء يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): ” مَنْ كَانَتْ لَهُ أُنْثَى فَلَمْ يَئِدْهَا وَلَمْ يُهِنْهَا وَلَمْ يُؤْثِرْ وَلَدَهُ عَلَيْهَا – قَالَ يَعْنِى الذُّكُورَ – أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ” (سنن أبي داود).

ففي هذا الحديث نهي صريح عن كل ألوان الأذى ابتداءً من أشده وهو الوأد ، ثم الإهانة بكل أشكالها سواء أكانت باليد أم باللسان ، وانتهاءً بالأذى النفسي وهو إيثار ولده عليها ، لذا فقد كان أحد الناس يجلس إلى جانب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وجاء ابنه فأخذه وقبَّله ووضعه على فخذه ، ثم جاءت ابنته فأخذها وقبلها وأجلسها إلى جانبه ، فقال له (صلى الله عليه وسلم): ” فما عدلت بينهما”، وفي رواية : ” فَهَلَّا عَدَلْتَ بَيْنَهُمَا؟ ” (شعب الإيمان للبيهقي).

وعندما قبل نبينا (صلى الله عليه وسلم) حفيده الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (رضي الله عنهما) وكان في حضرتــه (صلى الله عليه وسلم) الأقــرع بن حابس ، فقــال الأقـــرع: إِنَّ لي عَشَرَةً مِنَ الولَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا قَطُّ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) ثُمَّ قالَ:”مَنْ لا يَرْحَمْ لا يُرحمْ” (متفق عليه) ، وفي رواية أخرى عند البخاري : عَنْ عَائِشَةَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْـهَـــا) قَالَتْ : جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَقَالَ: تُقَبِّلُونَ الصِّبْيَانَ! فَمَا نُقَبِّلُهُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): ” أَوَ أَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ “.

ثم إن الإنسان محاسب عن رعايته لأطفاله نفقة وتعليمًا وتأديبًا ، وعن إهماله وتضييعه لهم ، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا ، وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ فِي مَالِ أَبِيهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ” (صحيح البخاري)، و يقول (صلى الله عليه وسلم): ” كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُولُ” (المستدرك للحاكم) ، وفي رواية : ” كَفَى بالمرء ِإثْمًا أن يُضَيع منْ يَقوت” (مسند أحمد) .

وعندما مرَّ نبينا (صلى الله عليه وسلم) مع أصحابه على رجل فأُعْجِبُوا بجَلَده ونشاطه ، فقالوا: يَا رَسُولَ اللهِ لَوْ كَانَ هَذَا فِي سَبِيلِ اللهِ!! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) : (إِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَارًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَفِي سَبِيلِ اللهِ ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ لِيَعِفَّهَا فَفِي سَبِيلِ اللهِ ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَهْلِهِ فَفِي سَبِيلِ اللهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى تَفَاخُرًا وَتَكَاثُرًا فَفِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ) (المعجم الكبير للطبراني).

وعلى الجملة فإن الإسلام يحثنا على حسن رعاية أبنائنا والإحسان إليهم ، وحسن تعليمهم وتأديبهم ورعايتهم ، وينهى عن كل ألوان العنف والأذى التي يمكن أن تنالهم أو توجه إليهم ، حتى يخرجوا إلى المجتمع أسوياء بلا عُقَد نفسية أو فكرية أو جسدية.

على أن هذه التربية السوية تقتضي منا انتقاء ما نقدم لأطفالنا من أفلام أو مسلسلات أو أعمال كرتونية أو غير كرتونية ، بحيث ننقذهم من كل ما يغذي العنف أو يزرعه أو ينميه أو يرسخه في نفوسهم ، وأن نتخير لهم من الأعمال ما ينمي القيم الإنسانية ومعاني الذوق والتسامح والرقي واحترام الآخر وعدم الاعتداء عليه أو على خصوصياته ، فكما نزرع نحصد ، ولن نجني من الشوك العنب .

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى