:أهم الأخبارمقالات

أشخاص لا يعرفون الهدم وآخرون لا يعرفون البناء

mokhtar-gomaa3

شتان بين النقيضين البناء والهدم ، وإذا كان ديننا إنما هو دين البناء وعمارة الكون ، فإن كل من يأخذك إلى هذا الطريق ، طريق البناء ، طريق العمل ، طريق الإنتاج ، طريق الإتقان ، طريق الحفاظ على المنشآت العامة والخاصة إنما يأخذك إلى طريق الإسلام ، إلى طريق الوطنية ، إلى طريق الحضارة والرقي ، إلى خير المجتمع وخير الإنسانية ، ومن يحاول أن يجرك إلى طريق آخر عكس هذا الاتجاه ، كأن يجرك أو يسلمك إلى طريق الهدم والتخريب وتدمير المنشآت والبنى التحتية أو الاعتداء عليها أو المساس بها إنما يأخذك إلى طريق الهلاك في الدنيا والآخرة ، يقول الحق سبحانه : ” فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ * أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ” (محمد : 22-24) ، ويقول سبحانه : “وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ” (البقرة : 204-206) .

على أن من يعمل بالبناء فلن يكون لديه فائض وقت أو جهد للهدم أو التخريب ، لأنه يدرك طبيعة البناء وما يتطلبه من جهد ومعاناة ، وأن الباني لا يمكن أن يكون هدامًا ، لأنه صاحب نفس ملأى بالخير والعمار والحضارة والرقي .

أما الهدامون أصحاب النفوس المريضة الذين قصرت بهم همهم عن أن يجاروا أهل الجد والكفاح والتعب والعرق والعمل والإنتاج ، فلم يجدوا جبرًا لنقيصتهم وسترا لعورتهم وشفاء لإحساسهم بالنقص سوى حسد الأماجد وانتقاص الأفاضل على حد قول القاضي بن عبد العزيز الجرجاني في مقدمة كتابه الوساطة بين المتنبي وخصومه ” وأهل النقص رجلان : رجل أتاه التقصير من قبله , وقعد به عن الكمال اختياره , فهو يساهم الفضلاء بطبعه , ويحنو على الفضل بقدر سهمه , وآخر رأى النقص ممتزجًا بخلقته , ومؤثّلا في تركيب فطرته, فاستشعر اليأس من زواله ، وقصرت به الهمة عن انتقاله ، فلجأ إلى حسد الأفاضل ، واستغاث بانتقاص الأماثل ، يرى أن أبلغ الأمور في جبر نقيصته , وستر ما كشفه العجز عن عورته ، اجتذابُهم إلى مشاركته , ووسمُهم بمثل سِمَتِه ” .

 

هؤلاء الهدامون خطر داهم على المجتمع ، وعلى أمنه الاجتماعي والاقتصادي ، يقول الشاعر :

لو كل بان خلفه هادم كفى

فكيف ببان خلفه ألف هادم

ويقول الآخر :

متى يبلغ البنيان يوما تمامه

إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم

       على أن ديننا إنما ينبذ كل ألوان ومعاني الهدم والتخريب ، ويدعو إلى البناء وعمارة الكون ، وكل ما فيه صالح الإنسانية ، يقول سبحانه : ” وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ ” (الأعراف : 56) ، ويقول سبحانه : “فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ “(الأعراف :70) ، مما يتطلب منا جميعًا العمل على نشر ثقافة البناء ، والعمل على ترسيخ الإيمان به وأن ما كان للإنسان فلن يخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه ، وأن الناس جميعًا لو سابقوا إنسانا فلن يأخذوا شيئا كتبه الله له ولن يصلوا إليه ، ولو دفعوه إلى الأمام جميعًا ، فلن يوصلوه إلا إلى شيء كتبه الله له ، يقول سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ” وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ إِلَّا قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ ، وَإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ عَلَيْكَ ، رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ ، وَجَفَّتِ الصُّحُفُ ” (رواه الترمذي) ، فما أحوجنا إلى تطهير قلوبنا من الحقد والحسد والعمل على تعطيل الآخرين أو تعويق مسيرتهم أو محاولات إفشالهم ، فليس كل ذلك ولا شئ منه من الإيمان أو كريم الأخلاق أو القيم الإنسانية النبيلة ، إنما على العكس من ذلك كله ، فهو حقد يأكل صاحبه على حد قول أبي تمام :

اصبر على مضض الحسود

فـــــــــإن صبرك قـــــــــــاتله

فالنــــــــــــار تأكــــل نفسها

إن لــــــــــم تجد ما تأكـــله

       فلنصدق النية والعمل لله عز وجل ، ثم لوطننا ومجتمعنا ، وأبنائنا وأحفادنا وأنفسنا ، ذلك أن الواجب الشرعي والوطني يتطلبان منا جميعًا وحدة الصف وتضافر الجهود لخدمة ديننا ووطننا وقضايانا العادلة ، وألا يعوق أحد منا مسيرة الآخر ، بل يشد بعضنا أزر بعض ، فالعمل العمل ، لأنه صمام الأمان ، وحذارِ حذارِ من الهدم والتخريب ، فهما سبيل الدمار والهلاك في الدنيا والآخرة .

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى