:أهم الأخبارمقالات

اليتيم بين كافله وجاحده

أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف
أ.د/ محمد مختار جمعة
وزير الأوقاف

       اليتيم مشتق من اليتم ، وهو الفقد ، ولفظ اليتيم في ذاته يوحي بالضعف ويستوجب الشفقة والرحمة ، فإذا اجتمع على الإنسان يتم ، وفقر ، أوحرمان ، فتلك فاجعة كبرى ، أما إذا اجتمع عليه يتم وفقر وتجاهل مجتمع فتلك ثالثة الأثافي كما كانت العرب تقول في جاهليتها ، وكفالة اليتيم تأمين له وللمجتمع معا ، تأمين له من التشرد والانحراف ، وتأمين للمجتمع من عواقب هذا التشرد ، كما أنه تأمين لكل شخص يخشى أن تباغته المنية وله ذرية ضعفاء يخشى عليهم الضياع  أو الفقر أو الفاقة ، فكما تدين المجتمع يدين لك ، يقول الحق سبحانه : ” وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً ” (النساء :9) ، ويوصي بإكرامهم والإحسان إليهم ، فيقول سبحانه : ” وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً ” (النساء : 8) ، ويقول سبحانه : ” وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً ” (النساء : 36) ، ويأمر سبحانه ولي أمر اليتيم والوصي عليه بدفع حقه إليه بمجرد أن يأنس فيه الرشد وينهي عن الاقتراب من ماله إسرافًا أو تعجلا قبل بلوغهم ، فيقول سبحانه : ” وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيباً ” (النساء :6) ، ثم يصور الحق سبحانه من يأكل مال اليتيم بصورة من يأكل نارًا فتحرق أمعاءه ، فيقول الحق سبحانه : ” إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً ” (النساء :10) ، بل إن القرآن الكريم يحذرنا من تجاهل شأن اليتيم وعدم الحض على طعام المسكين ، ويجمع بين هؤلاء وبين من يأكلون الميراث والمال بغير حق فيقول تعالي : ” كَلا بَل لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَّمّاً * وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً * كَلا إِذَا دُكَّتِ الأرْضُ دَكّاً دَكّاً * وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ* وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ * يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً *فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي *‏ ” (الفجر : 17-30) ، كما يحذرنا الحق سبحانه من قهر اليتيم ونهر المسكين فيقول سبحانه : ” فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ *وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ” (الضحى : 9-11) ، فما بالكم وما ظنكم إذا كان اليتيم مسكينًا ذا فاقة وعوز وحاجة .

      ألم يجعل الحق سبحانه إطعام اليتيم أحد أهم عوامل اجتياز الصراط بسهولة ويسر فقال سبحانه : ” فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ ” (البلد : 11-15) .

      أما على الجانب الآخر ، جانب من شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه ، ونور الله قلبه بالإيمان وملأه بالرحمة والإحسان ، فصار مفتاحًا لكل خير ، اصطفاه الله مع من اصطفاهم واختارهم لقضاء حوائج الناس ومسح دموعهم ، وإدخال السرور عليهم ، فدخل تحت قول الحبيب محمد (صلى الله عليه وسلم) : ” (أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الجنة هكذا) ، وأشار (صلى الله عليه وسلم)بأصبعيه السبابة والوسطى ” كناية عن قرب كافل اليتيم من الحبيب (صلى الله عليه وسلم) ، يوم القيامة .

      ويقول (صلى الله عليه وسلم) : ” أَنَا وَامْرَأَةٌ سَفْعَاءُ الْخَدَّيْنِ كَهَاتَيْنِ، امْرَأَةٌ تَأَيَّمَتْ مِنْ زَوْجِهَا ، وَحَبَسَتْ نَفْسَهَا عَلَى يَتَامَاهَا حَتَّى بَانُوا أَوْ مَاتُوا ” ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) ” أَنَا أَوَّلُ مَنْ يُفْتَحُ لَهُ بَابُ الْجَنَّةِ ، إِلاَّ أَنَّهُ تَأْتِي امْرَأَةٌ تُبَادِرُنِي فَأَقُولُ لَهَا : مَا لَكِ ؟ وَمَا أَنْتِ ؟ فَتَقُولُ : أَنَا امْرَأَةٌ قَعَدْتُ عَلَى أَيْتَامٍ لِي” (مسند أبي يعلى) ، وفي الحديث “من مسح على رأس يتيم كان له بكل شعرة حسنة ” (المعجم الكبير للطبراني).

        فما أحوجنا إلى تنمية الحس الإنساني ، والتكافل الاجتماعي ، والرحمة بالفقراء والضعفاء والأيتام والمساكين ، وألا يخطر ببالنا أنهم عالة علينا ، إنما هم سر العون والرحمة والبركة ، يقول نبينا : (صلى الله عليه وسلم) ” وهل تُرْزَقُون وتُنْصرون إلا بضعفائكم؟! ” (رواه البخاري) .

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى